تحقيق خطير حول التجنيد والاستثمار في الاطفال بدارفور
لم تضع (حواء علي) ، والدة الطفل “محمد ابكر ” ، في الحسبان يوما أن يغيب إبنها(محمد ) عن نظرها لحظة الا انه ظل مفقود ولا تعلم عنه شيئا لأكثر من عامين وبضع اشهر ، ولم تتوقع ان يترك ابنها “محمد” شمعة التعليم الضاوية عند بوابة الفصل “السابع”، ويلتحق بمشروع عسكري يتبع لحركة مسلحة يتزعمها شخص معروف في محلية ” “كاس ” ..اعتاد على إقناع امثال “محمد” ، أن لا فائدة من التعليم وعليهم أن يمضوا قدما نحو بوابة مشروعه العسكري و تدريباته القتالية لعلها تضمن لهم مستقبل باهر ، براتب شهري قدره “١٢٠” الف جنيه للفرد وعقب التخرج كضابط يمنح كل شخص مبلغ “٧” مليون جنيه ( مليار جنيه بالقديم)؛ كضربة بداية .
فابقى ذلك الصغير السر بينه وبين مسؤول ذلك المشروع الذي يدعى (أ . م . ع )، ولم يخبر والدته ” حواء ” بأي شيء حتى غادر … وليس “محمد ” وحده من قام بابتلاع “الطعم” بل هناك ضحايا كثر اختفوا في ظروف بالغة التعقيد واقتنعوا بتلك الوعود الكاذبة ، وقرروا ترك كل شيء والذهاب سرا إلى المجهول عبر رحلات تم تقسيمهم فيها الى “مجموعات – و دفعات” ، أشرف على ترتيبها مندوب الحركة المتهم ومسؤول مكتبها في المدينة …
اختفاء محير
شهدت محلية كاس بولاية جنوب دارفور في الأعوام(٢٠٢٠- ٢٠٢١)، ظواهر اختفاء متكررة بالمدينة لأطفال دون سن ال(١٨) عام ، حيث بلغت جملة الأطفال المفقودين حسب احصائية الاسر المكلومة (٨٦) طفل حتى الآن، وغالبية المفقودين تتراوح أعمارهم ما بين (١٤-١٧ عام)، وقال “أبكر موسى والد احد الأطفال المفقودين (مزمل ، ١٤ عام)، أن الأخير كان يذهب إلى المدرسة يوميا، ولم تلاحظ الاسرة اي تغيير في سلوكه ، وأضاف “موسى “المتهم كان يمتلك مطعم في المدينة احيانا الأطفال يذهبون إليه حاملين معهم “مصاريف بسيطة”، واشار موسى خلال “افاداته “، إلى ام المتهم كان يعطي الأطفال وجبات بأسعار “زهيدة” ومبالغ مالية ، واقنعهم أنهم في الحركة لديهم مشروع فيه عائد مادي جيد بل حتى المدارس هناك في ميادين الحركة افضل من مدارس كاس التي يرتادونها، وقال والد الطفل أبكر موسى ، بهذه الإغراءات وافق الأطفال على التجنيد وهذا ما جعلهم يتمسكون به ويخفون الأمر عن اهلهم حتى موعد مغادرته كانت مفاجئة “، وأضاف ” لي اكثر من سنتين لا شفت مزمل بعيني ولا سمعت عنو خبر بعد أن تم تجريده وأفراد المجموعة البالغ عددهم (٢٤) طفل من الهواتف وكل وسيلة تواصل تربطنا معهم”.
عودة الروح
حال “أبكر موسى ، وحواء علي “، مثل اي مهموم فقد عزيز ، تسيطر عليه حالة من الانتظار والترقب الدائم ويتوقع في اي لحظة ان يسمع عن ابنه شيء يطمئن قلبه المقبوض ، وحالة موسى تنطبق على كافة اولياء امور المفقودين ، كل منهم تجده في حيرة من أمره وقد ارهق التفكير ذهنه وجسده ، فأصبح أي منهم كلما مر أمامه شاب في عمر الفتية، يتبعونه بالنظر حتى يتوارى وتلك النظرة مصحوبة بصمت وحزن عميق تكشفه ملامح الوجه والعيون .
فالصبر على ذلك الابتلاء ظاهر على اعين الحاضرين من اسر المفقودين ، فمنهم من احتسب ابنه المفقود قتيل ،او ربما مات عطشا في الصحراء ولعل تلك الفترة كانت عصيبة عليهم لان اختفاء الأطفال كان متزامنا مع وجود رحلات سرية لمقاتلين شباب التحقوا بالصراع الليبي من جانب معسكر خليفة حفتر …. و ظلت هذه الحالة ملازمة لأهل الضحايا لأكثر من عامين ، الا ان عودة احد الاطفال من معسكر الحركة بعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر تمكن من الهرب، وكشف تفاصيل الواقع الأليم الذي لم يجد فيه أدنى مقارنة بما روجه لهم منسق “الرحلة”، وعودة الطفل ( جعفر)، كانت بمثابة هبة من السماء ونصر كبير لكل حزين فقد عزيز ، وكشف “الوافد ” تفاصيل العملية ومن هم الضالعين بها وبذلك وضع السكينة في قلوب الأمهات والآباء وأعاد الأمل للأسر المكلومة بأن غالبية الاطفال على قيد الحياة ما عدا شخص واحد فقط قد رحل للأبد نتيجة “الضرب الوحشي في تلك الغابات” ، وقتها تأكد الوالد “أبكر موسى”، من وجهة ابنه وهو على قيد الحياة بعد مرور كل هذه الفترة العصيبة.
وعود ولكن ….
فور استماع الاهالي لافادات (العائد) وبعض الجيران الملمين ببعض تفاصيل سفر الأطفال، ذهبت والدة الطفل محمد أبكر(حواء علي) وآخرين ، الى منسق الرحلة لتستفسره عن ابنها المختفي فاخبرها المتهم وقتها وجموع الاهالي ان ابنها ذهب بمعية الأطفال إلى(الثورة) حسب تعبيرها، وتطابقت افادات “حواء وابكر موسى وسيدة أخرى تدعى (حواء محمد سليمان ) ، أن منسق الرحلة التزم خلال جلسات ودية عقدتها قيادات محلية ، التزم باعادة الأطفال الى احضان ذويهم في فترة لا تتجاوز الشهر ، وبرر أن الاتصال بهم به صعوبة لأن الأطفال وقتها كانوا في طريقهم الى منطقة “خرسانة “بولاية جنوب دارفور ومنها إلى الغابات ،ولكن ذلك الالتزام كان حبر على ورق وظل الاهالي يترددون إليه مطالبين بعودة أبنائهم من المصير المجهول … ومع تطاول المهلة وانقطاع اخبار الأطفال ذهبت والدة الطفل “حواء علي “، الى الشرطة وقامت بفتح بلاغ في مواجهة المسؤول عن مشروع الحركة “أ . م . ع”، وبموجب ذلك تم حبسه في قسم شرطة “كاس”الا انا قيادات محلية تدخلت وطالبت باعطاء المذكور مهلة جديدة حتى يتمكن من إعادة الأطفال ونفذت المدة ولم يعد احد.
الطريق الى المحكمة
بعد فشل الجلسات الودية والوساطات المحلية في انصاف ذوي الاطفال لم يكن لدى الأسر خيار سوى الاتجاه صوب المحكمة للفصل في قضية المفقودين، وكانت “والدة الطفل “محمد ابكر ” سباقة، اتجهت صوب نيابة الاسرة والطفل بمدينة ” نيالا” ودونت بلاغ بالرقم (١٥٠٧) تحت المواد (١٦١١٦٢)،من القانون الجنائي السوداني المتعلقة بخطف واستدراج الاطفال وكذلك تقدم والد الطفل مزمل (أبكر موسى )ببلاغ آخر في مواجهة مندوب التفويج (أ. م . ع ) بنيابة الاسرة والطفل بالرقم (١٤٤٦)، تحت المواد(١٦١١٦٢)، من قانون الجنائي ،وبموجب ذلك تم القبض على المتهم وترحيله إلى (سجن نيالا الكبير) ، وشرعت محكمة الطفل بمجمع محاكم (نيالا ) ، في عقد جلساتها برئاسة قاضي المحكمة العامة، المشرف عل محكمة الطفل ” مولانا ياسر ” ، للاستماع للتحري والشاكي في كل بلاغ بشكل منفصل والشهود ،وحددت المحكمة “جلستان” في هذا الشهر الاولى للاستماع للشاكية في البلاغ الأول والشهود ،والثانية لبلاغ الثاني والشهود كذلك ، بيد أن محامي الدفاع طالب بتأجيل الجلسة اكثر من “مرة”، وشدد بضرورة وجود المتهم أثناء استماع المحكمة للشاكية في البلاغ الأول والشهود ، وبموجب ذلك رفع القاضي الجلسة لتاريخ في مطلع هذا الشهر.
بلاغات في الطريق
وكشفت مصادر مطلعة داخل نيابة الطفل ، أن هناك نحو (١٥) أسرة اخرى دونت بلاغات جديدة في مواجهة ذات الشخص ، وأشارت المصادر ، إلى أن جملة البلاغات الجديدة على وشك الوصول إلى المحكمة ، وبذلك يرتفع اجمالي عدد البلاغات المقيدة حتى الآن إلى(١٦) بلاغ، متعلقة بذات القضية وتحت المواد نفسها
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.