هل ينقذ “تعويم الجنيه” الاقتصاد السوداني؟ أم أن الأضرار أكبر !!

0

خلال فبراير/شباط 2021، أعلنت الحكومة السودانية تعويم العملة الوطنية (الجنيه السوداني)، بعد أن بلغت الفجوة بين سعر السوق الموازية (السوداء) والسعر الرسمي 14 جنيهاً.

وفي إطار عملية التعويم، خفضت الحكومة السودانية سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنحو 700% من 55 إلى 375 جنيهاً، وارتفعت السوق الموازية من 370 جنيهاً للدولار إلى 400 جنيه.

وازدادت أهمية التعويم وحساسيته مؤخراً مع ظهور التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا التي قللت موارد النقد الأجنبي لمعظم دول العالم جراء تراجع السياحة والصادرات.

وتلجأ الدول إلى سياسة تعويم عملتها في حالة اضطراب الأوضاع المالية والاقتصادية، وتزايد المضاربات في سوق النقد الأجنبي، وفقدان البنك المركزي السيطرة عليها. 

تؤثر هذه الاضطرابات على أداء ميزان المدفوعات للدولة، وتتسبب في اتساع حجم العجز التجاري، وسط تأثر الصادرات وانكماش الاستثمار الأجنبي الوافد، بسبب تراجع الثقة في مستقبل الاقتصاد، وعدم ثبات سعر العملة.

كما يخلق الفارق الكبير بين سعر العملة الرسمي، والسوق الموازية فرصة للتلاعب لحائزي العملة، ويجعل الدول تفرض قيوداً على حصص المستوردين من العملة الأجنبية، (خوفاً من بيعهم إياها في السوق الموازية) ويخلق هذا نقصاً في السلع المستوردة والمواد الخام، كما يؤدي إلى تحول المواطنين للادخار بالعملة الأجنبية والعزوف عن إيداع أموالهم في المصارف فيخلق ذلك ضغوطاً إضافية على العملة الوطنية، مما يزيد التضخم، ويرفع أسعار الأصول العقارية باعتبارها وسيلة أفضل للادخار بدلاً من العملة الوطنية المتراجعة.

كما يؤدي الارتفاع المستمر في أسعار العملة الأجنبية، إلى زيادة أسعار الواردات وبالتالي زيادة الطلب غير الضروري عليها، لأن المستهلك يريد شراءها اليوم قبل أن ترتفع أسعارها غداً. 

وحررت دول عدة، مثل الصين والهند والبرازيل والأرجنتين وماليزيا ومصر والمغرب والعراق والسودان، سعر صرف عملتها خلال السنوات والعقود الماضية. 

لكن العديد من هذه التجارب لم يحالفها النجاح بنسبة كبيرة إلا في الصين والهند، بفضل الصادرات المرتفعة وتدني أسعار المنتجات المحلية، ما عزز الإقبال عليها خارجياً ومحلياً. 

يفيد التعويم أصحاب الأصول العينية مثل العقارات أو المصانع أو الأراضي، من ارتفاع قيمتها دون تأثر مدخراتهم، كذلك الحائزون للعملات الأجنبية التي تتضاعف ثرواتهم بالعملة المحلية دون مجهود. 

تجربة السودان

ما زال من المبكر الحكم على مدى نجاح تجربة السودان في التعويم، لأنها بدأت الشهر الماضي.

ولكن تفيد تقارير إعلامية بأن قرار الحكومة السودانية، القاضي بتوحيد سعر صرف الجنيه السوداني، الذي أعلنته الأحد 21 فبراير/شباط الماضي، أدى إلى سيطرة المصارف التجارية في البلاد على حركة بيع وشراء العملات الأجنبية من داخل السودان وخارجه، بعد أن كانت تتحكم فيها السوق الموازية من دون منازع أو منافسة، نظراً لعجز خزينة بنك السودان المركزي عن توفير الاحتياطي اللازم من العملات، خصوصاً الدولار، لسنوات طويلة.

ويقول موقع “إندبندنت عربية“: أحدث التعويم صدمة وارتباكاً وسط العاملين في السوق السوداء، واختفاء ظاهرة التجار الذين يمارسون نشاط بيع وشراء العملات علناً في طرقات ومركز العاصمة الخرطوم.

في هذا السياق، يشير أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية، عبدالعظيم المهل، إلى أنه “من الواضح أن سياسة تحرير سعر الصرف لاقت السند والدعم الشعبي غير المسبوقين، ما منحها زخماً إضافياً، بالتالي يتوقع أن يكون أثرها أكثر إيجابية عند وصول الودائع المختلفة في حال وفَّى كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وأصدقاء السودان، بالتعهدات المالية، وهو الأثر نفسه الذي حدث أخيراً في مصر وتنزانيا وأوغندا، لكن لا بد من إيجاد احتياطي من العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي لتغطية الطلب من هذه العملات وتناميه المستمر، لا سيما أن السوق السودانية ضعيفة للغاية، فضخ أي كمية من الأموال يؤثر على هذه السوق بشكل كبير، لذلك ديمومة هذا الوضع تتطلب أن يتم خلال الفترة المقبلة العمل على تغطية الاحتياجات الرئيسية للمواطنين كالوقود والدقيق والدواء، وأن تتم التغطية من مصادر وموارد ثابتة، من دون الاعتماد على المصادر الخارجية أياً كان نوعها”.

ورداً على المخاوف المتعلقة بالتداعيات السلبية للقرار، أوضحت الحكومة السودانية أن البنك المركزي يمتلك احتياطيات كافية من النقد الأجنبي للتدخل متى ما دعت الضرورة.

كما أشارت الحكومة إلى عدة إجراءات من بينها فرض ضرائب عالية على استيراد السلع الكمالية ووضع قوانين جديدة للتجارة والاستثمار وتسهيلات للمصدرين، وإنشاء بورصة للذهب والسلع الاستراتيجية للحد من التهريب.

كما تشمل الإجراءات دعم الأسر الفقيرة بمبلغ شهري لتخفيف وطأة القرار عليها ودعم المزارعين والمنتجين والمصدرين وتوفير السلع الضرورية للمواطن عن طريق برنامج “سلعتي” بأسعار غير مرهقة للمواطن.

في حين يؤكد وزير المالية السوداني السابق إبراهيم البدوي أن نظام سعر الصرف “المعوَّم” هو أفضل خيارٍ متاحٍ لإعادة التوازن للعملة الوطنية وتقليص العجز الهيكلي في الحساب الجاري وتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية، إلا أنه ينبه إلى أن التعويم يحمل مخاطر السقوط الحر لسعر الصرف والتضخم الانفجاري إذا لم يتم دعمه باستيفاء شرطين أساسيين أولهما منع تمويل المصروفات وعجز الموازنة بصورة عامة عن طريق الاستدانة من البنك المركزي بصورة عشوائية وغير مبرمجة، وهذا يتطلب تقليص عجز الموازنة إلى أقصى حد، وكذلك توفير قنوات تمويلية غير تضخمية لإدارة السيولة.

أما الشرط الثاني فيتمثل في ضرورة تحول الدولة إلى بائع صافٍ للنقد الأجنبي لتمويل واردات السلع الاستراتيجية بواسطة القطاع الخاص. 

ويشير البدوي إلى أن تثبيت سعر الصرف الرسمي كخيار، يعنى استمرار الوضع القائم، في حين أن تبني نظام سعر الصرف المدار لا محالة سيوفر هدفاً مثالياً للمضاربين الذين سيعملون على وأده في مهده تماماً كما حدث في عهد النظام السابق في عام 2018.

ويرى البدوي أن تركيبة الواردات السودانية تجعل من الصعوبة بمكان معالجة العجز الهيكلي في الميزان التجاري باللجوء لحظر الواردات، بالنظر لأن أكثر من 85% من الواردات إما سلع استراتيجية أو مدخلات إنتاج ضرورية، وبالتالي لا يمكن معالجة أزمة شح النقد الأجنبي ووضع حد لتدهور قيمة العملة الوطنية عن طريق هذه المقاربة “الهيكلية”. 

ووفقاً للبدوي فإن الخيار الوحيد المتاح هو تعويم سعر الصرف لتصفية السوق الموازية وتحريك “سعر الصرف الحقيقي” لإنعاش الصادرات وإحلال الواردات لجسر هوة تقدر بحوالي 5 مليارات دولار يتم تمويلها حالياً من السوق الموازية.

أهم سلبيات التعويم

بالنسبة لأبرز سلبيات التعويم، فتتمثل في ارتفاع التضخم لمستويات قياسية، إذ صاحب تحرير سعر الصرف ظروفاً اقتصادية صعبة، وهو ما حصل في مصر التي شهدت نسب تضخم عند 35% بعد التعويم بشهور قليلة.

ولكن هذا العيب يمكن أن يكون لفترة محدودة، وبالفعل انخفض معدل التضخم في مصر بعد سنوات من التعويم.

والضرر الأبرز هو أن أصحاب الأجور الثابتة يعانون من انخفاض دخولهم، خاصة في الدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير.

كما أن أصحاب المدخرات بالعملة الوطنية يتعرضون لخسارة بقدر تراجع سعر العملة، وتحاول بعض الدول معالجة ذلك عبر زيادة الفائدة على الأرصدة بالعملة المحلية. 

وتتسبب الاضطرابات المصاحبة في حدوث ركود اقتصادي، وارتفاع مستويات البطالة، وتضرر المنتجين والمستوردين على المدى القصير وأحياناً المتوسط.  وتشمل السلبيات أيضاً انخفاض قيمة الثروات النقدية بالعملة المحلية (تآكل الودائع المقومة بالعملة المحلية)، بجانب ارتفاع فاتورة سداد الديون الخارجية للدولة أو الديون بالعملة الأجنبية التي اقترضتها الشركات المحلية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.