ما أهمية زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي فيما يتعلق بسد النهضة؟
تأتي زيارة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، إلى جيبوتي في توقيت حرج للغاية، في ظل محاولات مصر والسودان لإيجاد حل لأزمة النهضة قبل بدء إثيوبيا للملء الثاني للسد.
وكان رئيس جيبوتي، عمر جيله، في استقبال الرئيس المصري الذي وصل إلى هناك الخميس 27 مايو/أيار، ثم عقد الرئيسان جلسة مباحثات ثنائية داخل القصر الجمهوري، أعقبتها جلسة مباحثات موسعة أخرى، وذلك بحضور وفدي البلدين، حسب بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية.
وبطبيعة الحال كان المحور الرئيسي للنقاش موضوع مياه النيل، وضمن ذلك آخر المستجدات المتعلقة بمفاوضات سد النهضة، في ظل بدء إثيوبيا الملء الثاني، حسبما أشارت مصادر سودانية، وهو أمر يمثل تطوراً خطيراً للقاهرة والخرطوم اللتين بدأتا مناورة عسكرية مشتركة باسم “حماة النيل”.
وتم التوافق خلال اللقاء، على أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني متوازن وعادل فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، يراعي مصالح الدول الثلاث، حسب المتحدث الرئاسي المصري.
وقبيل الزيارة بيوم، أقلعت طائرتا نقل عسكريتان مصريتان من قاعدة شرق القاهرة الجوية محمَّلتان بكميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية المقدمة من مصر إلى دولة جيبوتى.
ويعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين مصر وجيبوتى منذ استقلال جيبوتى عام 1977، وكانت مصر من طليعة الدول التي افتتحت سفارة لها في جيبوتى.
جيبوتي مفتاح إثيوبيا البحري
ورغم أن جيبوتي أصغر جارة لإثيوبيا من حيث السكان والمساحة والقوة العسكرية، فإنها تمثل أهمية بالغة بالنسبة لأديس أبابا.
فجيبوتي ذات موقع شديد الأهمية بالنظر إلى وقوعها على الطرف الإفريقي لباب المندب، ومن هنا تتنافس الدول الكبرى والقوى الإقليمية على تحسين العلاقة معها وإقامة قواعد عسكرية بها مثل الصين وفرنسا.
ولكن أهمية جيبوتي تزداد بالنسبة لإثيوبيا بالنظر إلى أن الأخيرة دولة حبيسة، وبالتالي تحتاج موانئ على البحر من دول أخرى؛ لتمرير تجارتها الخارجية.
ورغم أن هناك جيراناً آخرين لإثيوبيا، لديهم سواحل طويلة مثل الصومال وإريتريا والسودان، فإن الدول الثلاث علاقتها غير مستقرة مع أديس أبابا حتى لو تحسنت مؤخراً في حالة الصومال وإريتريا، وتعاني الدول الثلاث من عدم الاستقرار خاصة الصومال، وضعف البنية التحتية والعزلة مثل إريتريا.
في المقابل، فإن جيبوتي، هذه الدولة المسالمة الصغيرة، يمكن اعتبارها سنغافورة إفريقيا، حيث تلعب التجارة والنقل البحري دوراً مهماً في اقتصادها، وتمتلك بنية أساسية جيدة في هذا المجال بمعايير القرن الإفريقي.
ويمر نحو 95% من إجمالي حجم التجارة المتجهة إلى إثيوبيا عبر جيبوتي، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز عام 2018.
وفي عام 2018، دشنت جيبوتي المرحلة الأولى من أكبر منطقة تجارة حرة في إفريقيا (من المقرر أن تُستكمل 2028) بالتعاون مع الصين، وذلك للاستفادة من موقع البلاد الاستراتيجي على أحد أكثر الطرق التجارية نشاطاً في العالم.
وكشفت جيبوتي عن مشروعات لثلاثة موانئ جديدة وخط سكة حديدية يربط بينها وبين إثيوبيا التي ليس لها منفذ بحري، في إطار مساعيها لأن تصبح مركزاً عالمياً للتجارة واللوجيستيات.
وفي عام 2018، أفادت تقارير بأن إثيوبيا تخطط للاستحواذ على حصة في ميناء جيبوتي، بعد فض الأخيرة امتياز موانئ دبي العالمية، المملوكة لحكومة دبي، لإدارة الميناء في العام ذاته.
منطقة تجارة حرة مع مصر
وفي عام 2019، بحث وزيرا خارجية مصر وجيبوتي مشروع إقامة منطقة حرة لوجيستية مصرية في جيبوتي، إلى جانب القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وقررت السلطات الجيبوتية منح مصر قطعة أرض تبلغ مساحتها مليون متر مربع تمهيداً لإقامة منطقة لوجيستية، تُمكّن القاهرة من تصدير المنتَج المصري للعديد من الدول الإفريقية.
ولكن ليست هناك أخبار جديدة عن هذه المنطقة.
هل تستطيع جيبوتي أن تضغط على إثيوبيا في أزمة سد النهضة؟
وسبق أن اتفق رئيسا مصر وجيبوتي على ضرورة تسوية قضية سد النهضة؛ لتفادي تأثيرها السلبي على أمن واستقرار المنطقة بالكامل، وذلك خلال اتصال هاتفي في أبريل/نيسان 2021.
ولكن يجب ملاحظة أن جيبوتي وحتى الصومال، سبق أن تحفَّظتا على قرار بالجامعة العربية يؤيد موقف مصر والسودان من أزمة سد النهضة.
ويجب فهم وضع البلدين الحرج، خاصةً جيبوتي، في هذه الأزمة.
جيبوتي أولاً، ليست دولة عربية بالمعنى العرقي، حتى لو كانت ثقافياً دولة شبه عربية.
فرغم أن اللغتين العربية والفرنسية لغتان رسميتان، وتستخدمان كتابياً، على نطاق واسع، فإن اللغة اليومية التي يتحدث بها الناس هي الصومالية والعفارية، بينما تجيد نسبة كبيرة من الشعب التحدث بالعربية.
ولا يعني هذا أن البلاد معادية للعرب، ولكنهم شعب مختلف وشديد القرب في الوقت ذاته، من العرب ثقافياً ودينياً ويفخر بهذه العلاقة الوثيقة، ولكن الواقع أن العرب، وضمنهم مصر، أهملوا جيبوتي وكذلك الصومال، في مواجهة إثيوبيا التي تحتل أرضاً صومالية، وتمثل القوى الأكبر بالمنطقة، وبالتالي فإن جيبوتي، خاصة في ظل قلة عدد سكانها مقارنة بإثيوبيا، كان لزاماً عليها اتخاذ سياسة صديقة لأديس أبابا.
وبالنظر إلى الفارق السكاني الضخم، يبلغ عدد سكان جيبوتي الذي يفوق قليلاً 900 ألف نسمة، مقابل نحو 117 مليوناً لإثيوبيا، والعلاقات التجارية الوثيقة، فإن جيبوتي مضطرة إلى مراعاة غضب أديس أبابا في أي قرار تتخذه.
وبالتالي فافتراض أن جيبوتي بإمكانها اتخاذ إجراءات خشنة للضغط على إثيوبيا لصالح مصر والسودان، مثل فرض قيود على التجارة، أمر صعب، بالنظر إلى فارق القوة الهائل بين البلدين.
ولكن التحرك المصري تجاه جيبوتي يهدف إلى خلق حالة من الضغط المعنوي الإفريقي، بصفة عامة على إثيوبيا.
وهو تحرك ازداد نشاطاً مؤخراً، وله بعض النتائج الإيجابية، حتى لو تأخر.
نشاط مصري في إفريقيا
وقَّعت مصر مؤخراً اتفاقيتين مع اثنتين من دول حوض النيل، لهما طابع عسكري وأمني، في إشارة إلى سعي القاهرة لحشد مواقف دول المنطقة إلى جانبها، في مواجهة إصرار أديس أبابا على تجاهل حقوقها وحقوق السودان التاريخية في مياه النيل.
ففي شهر أبريل/نيسان 2022، وقَّعت مصر اتفاقاً لتبادل المعلومات العسكرية مع أوغندا، وأعقبه توقيع بروتوكول تعاون عسكري مع بوروندي، وهما من بين 11 دولة تقع على حوض نهر النيل.
وارتبط الاتفاق مع كمبالا بصورة مباشرة بنهر النيل، حيث نقل البيان الأوغندي عن اللواء سامح الدجوي -الذي ترأس وفد المخابرات المصرية إلى كمبالا- قوله إن بلاده وأوغندا تتقاسمان مياه النيل، وإن ما يؤثر على الأوغنديين يؤثر بشكل أو بآخر على مصر.
وتعد اتفاقيتا أوغندا وبوروندي مهمتين بالنسبة للقاهرة من زاوية تبادل المعلومات الأمنية بين مصر والدول المحيطة بإثيوبيا أو القريبة منها جغرافياً، حسبما قال الباحث المصري المتخصص في النزاعات الدولية والعلاقات الاقتصادية إبراهيم نوار، لموقع “الجزيرة نت“.
ورأى أن الاتفاقيتين توفران لمصر المعلومات الضرورية لتكوين رؤية عن مسرح العمليات في حال نشوب صراع مع إثيوبيا.
بينما أكد الباحث النيجيري المختص في الشؤون الإفريقية حكيم نجم الدين، في تصريح لموقع “الجزيرة.نت“، أن أهمية الاتفاق الأوغندي البوروندي مع مصر قد تكمن في كون الدولتين ضمن دول حوض النيل، ولكن يبقى من المستبعد تأثيرهما في تغيير القرار الإثيوبي، لكنه أشار إلى أنهما قد يساعدان في التفاوض نيابة عن مصر، وحثّ إثيوبيا على بعض النقاط القابلة للتفاوض.
ولكنه يرى أنه يبقى تأثير الاتفاقيتين من الناحية العسكرية بلا أهمية كبيرة.
ويجب ملاحظة أن الدولتين ليست لهما حدود مع إثيوبيا، وبوروندي دولة صغيرة في المنطقة بينما أوغندا دولة متوسطة.