حادثة مفاعل ديمونة الإسرائيلي.. هجوم إيراني أم صاروخ سوري ضال؟
في وقت مبكر من صباح الخميس، 22 أبريل/نيسان، سقط صاروخ سوري بالقرب من ديمونة وردت إسرائيل بهجوم في سوريا. وصدرت التقارير الأولية في نحو الساعة الثانية صباحاً، وبدأت بأخبار صافرات الإنذار في جنوب إسرائيل وتقارير وسائل الإعلام الأجنبية عن انطلاق صافرات الإنذار بالقرب من مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي السري.
رواية إسرائيلية غير مطمئنة للإسرائيلين
وبينما تقول الرواية الرسمية الإسرائيلية إن الهجوم سببه صاروخ جو جو سوري طائش، كان يطارد طائرة إسرائيلية، فإن وسائل إعلام إيرانية تلمح إلى أن الهجوم ما هو إلا انتقام إيراني من الهجوم الإسرائيلي على منشأة نظنز النووية في 11 إبريل/نيسان 2021.
ويبدو أن الصحافة الإسرائيلية لم تسلم كثيراً بالرواية الرسمية، وأنها قلقة من احتمالات لو سقط هذا الصاروخ على مفاعل ديمونة الإسرائيلي، ومتخوفة من أن تكون الرسالة الإيرانية المحتملة تتبعها رسائل أكثر حدة.
وفي هذا الإطار تساءلت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية. ماذا لو كان سقط داخل مجمع المفاعل، وأردفت قائلة “لاستيقظ الإسرائيليون على واقع مختلف تماماً”.
وقالت هبوط الصاروخ السوري بالقرب من ديمونا مدى خطورة هذه المعركة؛ إذ تمثل التقارير عن انطلاق صافرات الإنذار بالقرب من مدينة ديمونا والانفجارات في وسط إسرائيل نوعاً من أقصى المخاوف التي يأمل الناس ألا يستيقظوا عليها.
ولم تعترف إسرائيل أبدًا بامتلاكها ترسانة نووية ، وبدلاً من ذلك حافظت على سياسة “الغموض النووي”، علماً بأنه يعتقد أن لديها مئات الرؤوس النووية.
إيران كانت قد توعدت بالانتقام
كانت وسائل الإعلام الإيرانية قد دعت إلى “اتخاذ إجراء” ضد مفاعل ديمونا، زاعمة أنها ستضرب “منشأة نووية” إسرائيلية انتقاماً لحادث استهداف منشأة تخصيب إيران النووية في نطنز.
وقبل بضعة أيام، دعت صحيفة “كيهان” الإيرانية، المرتبطة بالنظام، إيران لاستهداف ديمونا،
وتضمنت الهجمات الكبيرة الأخيرة على إسرائيل من سوريا، طائرة مُسيَّرة أُطلِقَت من قاعدة التياس الجوية العسكرية، في محافظة حمص السورية، في فبراير/شباط 2018، وطلقات صاروخية في مايو/أيار 2018.
وفي عامي 2018 و2019، أفادت تقارير بأنَّ إيران نقلت صواريخ باليستية إلى العراق. ونقلت كذلك ذخائر دقيقة التوجيه إلى العراق وسوريا، وسلَّحت حزب الله بصواريخ بعيدة المدى. وفي يناير/كانون الثاني، أفادت مجلة Newsweek الأمريكية بأنَّ إيران نقلت طائرة بدون طيار إلى اليمن كانت إسرائيل في نطاق مرماها. إضافة إلى ذلك، استخدمت طهران طائرات مُسيَّرة لضرب السعودية واستهدفت قاعدة أمريكية في العراق في يناير/كانون الثاني 2020 بصواريخ باليستية دقيقة.
هجوم إيراني أم صاروخ سوري ضال؟
على غرار الهجمات الإسرائيلية على إيران، يحيط الحادث غموض كبير.
فالرواية الإسرائيلية عن الصاروخ الضال تواجه بتشكك داخلي، حتى لو بدا خافتاً.
ورأت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حادث إطلاق الصاروخ السوري تجاه النقب الليلة يعتبر حادثة خطيرة “حتى لو كان بيان الجيش بأن الصاروخ انزلق عن طريق الخطأ ولم يكن مقصوداً إطلاقه نحو النقب صحيحاً”.
إذ يمثل اختراق صاروخ أي كان نوعه للأجواء الإسرائيلية من أقصى الشمال حيث الحدود السورية إلى مفاعل ديمونة الواقع في صحراء النقب أمرأ مثيرا للقلق بالنسبة للإسرائيليين حول قدرة أنظمتهم الدفاعية.
كما أنه يثير تساؤلات من نوع أخر، هل كانت صدفة أن الصاروخ الشارد الذي أطلق من الجولان حسب الرواية الرسمية الإسرائيلية، سار عبر أراضي إسرائيل التي تتسم الضيق (أقصى عرض مائة كيلومتر) قاطعاً البلاد بالطول ليسقط قرب المفاعل الموجود في النقب، على بعد بضعة مئات من الكيلومترات.
يبدو مسار الصاروخ ذكياً ومستقيماً ليكون طائشاً.
في طهران، لم يصدر أي تعليق رسمي مباشر.
ولكن عقب الهجوم، هدد محمد رضا فلاح زاده، نائب قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الخميس 22 أبريل/نيسان 2021، الجيش الإسرائيلي قائلاً إن عليه إدراك أن مجموعات المقاومة الموالية لطهران مستقرة قرب قواعده حول العالم وتدفعه للانهيار.
كما أفردت وسائل الإعلام الإيرانية مساحة لهذا الحدث الذي تعرض له مفاعل ديمونة، وتوقفت عند الرواية الرسمية الإسرائيلية، والتي أشارت إلى أنها تحتوي على ثغرات واضحة.
وسائل الإعلام الإيرانية شككت بشكل واضح بالرواية الإسرائيلية التي وصفت الصاروخ بالطائش، وقالت إنه مضحك للخبراء، مشيرة إلى أن الصاروخ الذي سقط قرب مفاعل ديمونة هو صاروخ أرض-أرض وليس أرض-جو كما ذكرت إسرائيل.
وأضافت وسائل الإعلام الإيرانية أن المعلومات المتاحة لديها تفيد بأن الصاروخ هو من نوع فاتح 110 وقادر على حمل رؤوس متفجرة، وكان بإمكانه أن يتابع طريقه إلى مفاعل ديمونة الإسرائيلي “لكن صناعة كارثة ليست مطلوبة” كما قالت.
كما اعتبر الإعلام الإيراني أن ما جرى قرب مفاعل ديمونة هو رسالة لإسرائيل بأن مناطقها الحساسة ليست محصنة.
المنطقة التي انطلق منها الصاروخ يوجد فيها ميلشيات إيرانية
وكتب الجيش الإسرائيلي على تويتر “أطلق صاروخ أرض – جو من سوريا إلى جنوب النقب الإسرائيلي. وردا على ذلك ، ضربنا البطارية التي أطلق منها الصاروخ وبطاريات أرض – جو إضافية في سوريا”.
وقالت وسائل الإعلام الرسمية السورية، إن القصف الإسرائيلي جاء من هضبة الجولان السورية المحتلة، واستهدف “مواقع في محيط دمشق” في الساعات الأولى من يوم الخميس 22 إبريل/نيسان 2021.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا، أصابت صواريخ إسرائيلية قاعدة الدفاع الجوي التابعة للحكومة السورية في بلدة الضمير – على بعد حوالي 40 كيلومترا (25 ميلا) شمال شرق العاصمة دمشق.
وقال المرصد إن الضربات دمرت بطاريات للدفاع الجوي مع سقوط بعض الضحايا.
وأضافت أنه يعتقد أن منطقة الضمير تضم مستودعات أسلحة تابعة لميليشيات موالية لإيران.
وقالت وكالة الأنباء السورية إن بطاريات الدفاع الجوي السورية اعترضت بنجاح معظم الصواريخ.
ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري قوله إن أربعة جنود أصيبوا ووقعت “بعض الخسائر المادية”.
الجغرافيا والتاريخ يثيران شكوك حول الرواية الإسرائيلية
كما أن الموقع الجغرافي لمنطقة الضمير التي يحتمل أن الصاروخ إنطلق منها بعيد جداً عن جنوب إسرائيل حيث يوجد مفاعل ديمونة، الأهم أنها تقع إلى الشرق من إسرائيل وبالتالي، فإن أي مسار صاروخي يجب أن يمر في الأغلب عبر الأجواء الأردنية والفلسطينية، ليصل إلى جنوب إسرائيل، وهو أمر لم يشر له الإسرائيليون.
كما أن التطابق بين مسار الصاروخ وبين الطبيعية الجغرافية الطولية لإسرائيل، يجعل احتمال أن الحادث عشوائي احتمال ضئيل، وأن تأتي هذه الصدفة، بعد هجوم إسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني بشكل أوجع طهران، فإن فرضية الصدفة تزداد ضآلة.
واللافت أيضاً أنه في مثل الهجمات التي تحدث بشكل خطأ، فإن الجانب الذي تعرض للهجوم لايسارع بافتراض حسن النية، وأنه هجوم طائش، بل يبدأ بافتراض الهجوم متعمد، بينما الجانب المنفذ هو الذي يحاول أن يثبت أن الأمر تم بدون قصد، ولكن الجانب السوري لم يتطرق لإطلاق الصاروخ بل اكتفى بالحديث المقتضب عن الرد الإسرائيلي.
أما الجانب الإيراني فلقد مال إلى الغموض وترك وسائل إعلامه تحتفي بالصاروخ الذي سقط في محيط مفاعل ديمونة الإسرائيلي.
قد يشير ذلك إلى نوع تقليدي من الردود الإيرانية على هجمات إسرائيل التي تقوم فيها بطهران بعمليات تحمل رسائل لإسرائيل، ولكن لا تضرها، وتتعمد عدم استفزارها بشكل يدفعها للرد.
هل يتحول الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى حرب للمفاعلات النووية؟
هذه الهجمة الغامضة المحتملة إذا كانت من تنفيذ طهران، يمكن أن يقدمها النظام الإيراني لشعبه المحبط من الاختراقات الإسرائيلية الهائلة للبرنامج النووي الإيراني، باعتبارها انتقاماً لهجوم نظنز الأخير.
إسرائيل من جانبها، قد حققت غرضها حالياً بتعطيل البرنامج النووي الإيراني في الهجوم الأخير، تلقت الرسالة بصمت حتى الأن، خاصة أن الرسالة كعادة الإيرانيين، إنذار قوى ولكن دون ضرر كبير.
ويبدو هذا تكراراً لعمليات مماثلة تمت بين حزب الله وإسرائيل، تقبلت فيها إسرائيل انتقاماً محدوداً من قبل الحزب، دون رد فعل يذكر.
ولكن حتى لو صمت إسرائيل فإنه، في حال كان الإيرانيون هم وراء الهجوم فإنه يمثل تطوراً نوعياً كبيراً بالنظر إلى على أنه مدار الصراع الإيراني الإسرائيلي لم يسبق لطهران وحلفائها استهداف البرنامج النووي الإسرائيلي.
ويزيد من خطورة هذا السيناريو أن مفاعل ديمونة قديم نسبياً وهناك شكوك حول معدلات الأمان به، في الأصل، ولا يعرف ماذا سيحدث للمنطقة كلها وليس إسرائيل فقط، إذا تعرض لهجوم مباشر خاصة أن المفاعل قريب من الضفة الغربية وغزة والأردن وسيناء المصرية، وحتى شمال غرب السعودية.
وفي الهجوم الأخير الذي يعتقد أن إسرائيل نفذته على منشأة نظنز، قال الإيرانيون إنهم تجبنوا بصعوبة كارثة قد تحدث بسبب ممارسات التخريب الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في ذلك الوقت إنه لم تقع إصابات أو تلوث نووي نتيجة الهجوم، لكن كان من الممكن أن يؤدي إلى “وضع كارثي”.
وتعلق صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية قائلة “نأمل أن لا يكون حادث الصاروخ السوري اليوم نذيرًا لأشياء قادمة وتنفيذ التهديدات التي تم توجيهها”.