جهزّوا حقائبكم.. كندا تريد ألوفاً من المهاجرين كوسيلة للتعافي الاقتصادي
تراهن كندا على زيادة حادة في مستوى الهجرة إليها بدءاً من هذا العام، لتكون طريقة تستهدف تعزيز التعافي الاقتصادي للبلاد من جائحة كورونا. على عكس نظيراتها من الدول التي حجّمت تدفق المهاجرين إليها وجمدت طلبات قبولهم. وتقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إن الحكومة الليبرالية بقيادة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو تخطط لزيادة كبيرة في أعداد المقيمين الدائمين في البلاد، الذين سوف تقبلهم على مدى السنوات الثلاث القادمة، وقد اتخذ المسؤولون خطوات في الأشهر الأخيرة لزيادة وتيرة قبول المقيمين الدائمين في البلاد، ويُخصَّصُ جزء كبير من هذه الخطوات لجذب المقيمين مؤقتاً فعلياً في كنداً.
الهجرة إلى كندا كوسيلة للتعافي الاقتصادي
وفي وقت سابق من هذا العام، قال وزير الهجرة الكندي ماركو مينديسينو: “يُعلمنا التاريخ أننا حين نرفع مستوياتنا من الهجرة، فإننا نسمح لاقتصادنا بالنمو”.
لكن خبراء الهجرة يقولون إن الأشخاص الذين يصلون البلاد خلال انكماش اقتصادي يواجهون عادةً عوائق من أجل العثور على الوظيفة والاستقرار، وأثار بعضهم مخاوف من أن العمال الموجودين فعلياً في كندا يمكن أن يُشردوا. وفي غضون ذلك، يشير المحللون إلى أن القيود المستمرة على الحدود وتراكمات العمليات الحالية يمكن أن تُصعّب على كندا زيادة الأعداد بسرعة.
وتعد الاستراتيجية الحالية للبلاد من أجل تعزيز الهجرة لتحقيق مكاسب اقتصادية هي الأنشط بين نظيراتها. ففي الولايات المتحدة، علقت إدارة ترامب غالبية التأشيرات للأشخاص المقيمين فعلياً في البلاد خلال فصل الربيع الماضي، مستشهدة بالمخاطر المحيطة بسوق الوظائف المحلي خلال التعافي الاقتصادي.
أما الحكومة البريطانية، التي تحولت إلى نظام أكثر صرامة بعد البريكست، فقد قالت إن القواعد الجديدة سوف تكبح على الأرجح المستوى الإجمالي لتدفق المهاجرين إلى داخل البلاد. وفي أستراليا، أسهمت سياسة حدودية صارمة خلال الجائحة في تراجع حاد في مستوى الهجرة، وهو ما يُتوقع أن يستمر على مدى العامين القادمين.
400 ألف مهاجر سيقبلون هذا العام في كندا
تعد كندا من بين الأنظمة الاقتصادية المتطورة في العالم، التي تعتمد في الغالب على الهجرة. قبل الجائحة، كانت الهجرة تمثل أكثر من 80% من النمو السكاني لكندا، مقارنة بـ40% في الولايات المتحدة.
انخفضت أعداد المقيمين الدائمين في كندا للنصف تقريباً في عام 2020، وذلك حسبما توضح بيانات الحكومة، وسط قيود حدودية وتأجيلات في الإجراءات. كذلك تأثر العمال الدائمون والطلاب الدوليون.
وتأمل الحكومة في تعويض هذا النقص عن طريق زيادة أعداد المقيمين الدائمين الذين تقبلهم، ليصلوا إلى 401 ألف شخص هذا العام، أي بزيادة حوالي 60 ألفاً عن أعداد ما قبل الجائحة، وهو ما يعادل زيادة تتجاوز بقليل 1% من السكان الحاليين في البلاد. سوف يزيد المستوى المستهدف بـ10 آلاف شخص في كل عام من العامين التاليين، وذلك وفقاً للحكومة الكندية.
يقول الخبراء الاقتصاديون إن أي نمو ثابت في التعداد السكاني يعد جيداً في العموم من أجل النمو الاقتصادي طويل المدى للبلاد. كذلك يسهم وجود قوة عاملة أكبر في توسيع القاعدة الضريبية ويساعد في دفع مقابل الخدمات الحكومية، وهو مهم بصفة خاصة في بلاد مثل كندا، لديها معدلات مواليد منخفضة وسكان مسنون.
صعوبات قد تواجه خطة الحكومة الكندية حول ملف الهجرة
لكن زيادة الهجرة خلال الجائحة قد تثبت صعوبتها، إذ إن تحليلاً أجراه الخبير الاقتصادي لدى شركة رويال بنك أوف كندا، أندرو أغوبسوفيتش، يشير إلى أن القيود الحدودية والتأجيل الذي يطرأ على الإجراءات وانخفاض أعداد الطلبات المُقدمة، سوف تحدّ من زيادة هذا العام بحوالي ثلثي ما تستهدفه الحكومة.
إضافة إلى أن المهاجرين الذين وصلوا خلال الجائحة أو في الوقت الذي لا يزال فيه الاقتصاد ضعيفاً، يمكن أن يواجهوا عوائق إضافية.
قال نيكيل ديفيد، 32 عاماً، إنه كافح من أجل العثور على وظيفة في مجاله عندما وصل إلى كندا من الهند، في شهر يوليو/تموز. أُعفي ديفيد من القيود الحدودية لأنه حصل على موافقة ليكون مقيماً دائماً قبل بدء إغلاق الجائحة. وبعد العمل لعدة أشهر في متجر بقالة، حصل على وظيفة بدوام جزئي لأداء زيارات للاطمئنان على المسنين وتوصيل الغذاء إليهم.
وأوضح ديفيد، الذي يحمل شهادة دراسات عليا في الخدمة الاجتماعية من إحدى الجامعات الهندية: “إنه بالتأكيد نوع من المخاطرة أن تأتي إلى هنا وتبدأ من الصفر”.
تحاول كندا بالفعل العثور على طرق لتحقيق مستهدفها لعام 2021. أصدرت الحكومة أكبر جولة على الإطلاق من الدعوات إلى الأشخاص ذوي الخبرات في كندا، من أجل التقديم للحصول على تأشيرة إقامة دائمة في الشهر الماضي. وقال محامو الهجرة إن الدعوات ضمّت الأشخاص الذين لن يُنظر إليهم في الأوقات الاعتيادية بسبب درجاتهم في نظام النقاط المعتمد في البلاد، وهو نظام يُصنّف المهاجرين المحتملين استناداً إلى أعمارهم وتعليمهم وعوامل أخرى يمكن أن تسهم في نجاحهم الاقتصادي في كندا.
عبرت محامية الهجرة شانتال ديسلوغيس عن انتقادها للقرار غير المتوقع بضم المتقدمين ذوي الدرجات المنخفضة، لكنها قالت إن الهدف الأشمل، المتعلق بالإبقاء على تدفقات المهاجرين، يبدو منطقياً. وأضافت: “نعرف أننا على المدى الطويل، من الناحية الديموغرافية، نحتاج إلى هؤلاء الأشخاص”.
كندا تتخذ نهجاً مختلفاً عن نظيراتها حيال ملف الهجرة
من جانبها، اتخذت أستراليا نهجاً مختلفاً. فقد خفضت الحكومة قبل الجائحة أعداد الوافدين الجدد الذين تخطط قبولهم إلى حد 160 ألف وافد؛ لتخفيف الضغط على الخدمات والبنية التحتية في المدن ولتشجيع النمو في المجتمعات الإقليمية.
وفي خضم الجائحة، قالت الحكومة إن أستراليا يمكن أن تشهد مغادرة أشخاص آخرين أكثر ممن يصلون البلاد في السنة المالية 2021 بحوالي 72 ألف شخص. وتتوقع تنبؤات الحكومة الأسترالية الصادرة العام الماضي أن يبقى صافي مستويات الهجرة أدنى من مستويات ما قبل الجائحة لعامين على الأقل.
وفي الولايات المتحدة، تباطأ استيعاب المقيمين الدائمين بصورة قانونية إلى حوالي مليون شخص في السنة المالية التي تنتهي في سبتمبر/أيلول 2019، بعد أن كانت 1.2 مليون شخص في السنوات الثلاث السابقة. وتجدر الإشارة إلى أن زيادة الهجرة غير الشرعية عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة خلال الشهور الأخيرة، بما فيها أعداد المسيكيكيين البالغين الذين يبحثون عن عمل، تضع ضغوطاً على كاهل إدارة بايدن من أجل تحديد سياسة الإدارة على صعيد الهجرة.
قال بعض قادة الشركات الكنديون إن سياسات الهجرة تسهل تعيين الأشخاص الذين يحتاجون إليهم. يدير عماد أخوند شركة مصرفية على الإنترنت مستقرة في سان فرانسيسكو، تسمى Mercury، وعلى مدى العام الماضي عيّن 17 كندياً وشخصين من خارج البلاد كي يعملوا من مكتب جديد كائن في تورنتو، ومن بينهم مهندس برازيلي عمل من قبل في ألمانيا، وشخص آخر مُصرح له بالعمل في كندا.
وقال إن حظر الولايات المتحدة أغلب التأشيرات، في العام الماضي، أسهم في فتح مكتب تورنتو، مضيفاً أنه حتى في الأوقات العادية تستغرق العملية وقتاً طويلاً في الولايات المتحدة من أي شركة ناشئة تريد تعيين أشخاص بسرعة، وليس هناك ضمانات على أن شخصاً ما سوف يُقبل. وأوضح أخوند: “كنا ننظر في عديد من المدن الأمريكية التي يمكن وضعها في الحسبان”، مثل أتلانتا وميامي ونيويورك. وتابع قائلاً: “لكن الهجرة تعد قضية مهمة حقاً”.