لبنان بين تعديل الدستور واستمرار الازمة الاحكومية
في مواجهة التعثر في تشكيل الحكومة، ومع تردّي الأوضاع الداخلية وانهيار نقدي ومالي واقتصادي ومع الخشية من انفجار الوضع الأمني كما تلحظ خطة بومبيو ضدّ لبنان
وفي مواجهة كلّ ذلك كانت طروحات للمعالجة والإنقاذ منها ما انصبّ على تعديلات دستورية كما اقترح مؤخراً في كلمته المتلفزة السيد حسن نصرالله، ولكن للأسف ظهر مَن يردّ بغير المنطق القانوني والدستوري ويتمسّك بقداسة الدستور المدّعاة من دون النظر إلى عواقب الأمور.
ويقول الكاتب والمحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد امين جطيط انه في علم القانون الدستوري يُحذّر دائماً من الدساتير الجامدة التي يصعب تعديلها أو مراجعتها، أو تكون عملية التعديل والمراجعة معقدة إلى درجة تجعل التعديل بحاجة إلى «القوة غير القانونية» لإجرائه، قوة قد تكون بضغط خارجي أو تكون نتيجة انفجار داخلي، وهذا هو حال لبنان وواقع دستوره الذي جعل البعض ينظر اليه نظرة القداسة التي تجعله بمنأى عن المسّ والمراجعة «إلا إذا…» ولكن كانت «القوة غير الدستورية» هي الطريق والوسيلة للتعديل كما هو معلوم.
ففي العام 1976 وبعد أشهر من انفجار الوضع الداخلي والاحتكام إلى السلاح في لبنان، كانت محاولات لتعديل الدستور وتفسيره بشكل يهدم جزءاً من الهوة بين المواقع الطائفية في السلطة ليخفف يعضاً من طغيان بعضها على البعض الآخر. بيد أنّ الفريق صاحب الامتيازات رفض يومها المحاولة واستمرّت الحرب الداخلية بشراكة غير اللبنانيين وبتمويل خارجي أيضاً وواكبها اجتياحان «إسرائيليان» ثم فتن داخل الطوائف والمذاهب ذاتها إلى أن أفضى الأمر إلى ما أسمي وثيقة الوفاق الوطني التي اعتمدت في الطائف وجرّدت طائفة الامتيازات من 70% من مكاسبها وألزمها اليوم بالدفاع المستميت عن الـ 30% المتبقية التي يريد «التغوّل الطائفي البديل» أن يهمّشها أو يعطلها.
يتابع حطيط واليوم تكاد تتكرّر القصة ذاتها مع طائفة أخرى (المسلمون السنة) ففي حين رفض الموارنة إعادة النظر بالدستور والقبول بالوثيقة الدستورية في العام 1976 اضطروا مرغمين على تنازل أفقدهم عملياً الموقع الأول في الدولة من حيث السلطة والسيطرة والنفوذ، فإنّ المسلمين السنة الذين حلّوا محلّ الموارنة في الموقع المميّز في الحكم وفقاً لما يعتمد من نص أو تفسير لاتفاق الطائف الذي رأوا فيه أنه جعل من رئيس الحكومة حاكماً لا بديل ولا شريك ولا نائب له في السلطة التنفيذية في لبنان، وانّ رئيس الوزراء بات يتصرّف في الواقع وكأنه الملك المطلق الذي لا ينازَع ولا يشارَك، إلى حدّ أنّ أحداً لا يستطيع تقييده في سلوك، وللدلالة على ذلك نذكر بعض الأمثلة:
ـ إذا كلف الشخص بتشكيل الحكومة، فإنّ مهلة التشكيل مفتوحة لديه حتى ولو استغرقت 4 سنوات مدة ولاية مجلس النواب، إذ لا نصّ على إمكانيّة استرداد التكليف حتى ولو تراجعت الأكثريّة النيابية وعبر رئيس الجمهورية أو عبر مجلس النواب عن اختيارها. وهذا واقع غير موجود في دولة في العالم لأنه ضدّ المنطق الدستوريّ وكان واجباً أن يحدّد الدستور مهلة قصوى للتكليف، لانتظام العمل الدستوري الصحيح.
ـ إذا شكلت الحكومة وصدرت مراسيمها فإنها تتولى الحكم قبل نيل الثقة من مجلس النواب، حكم في حدود تصريف الأعمال لكنه وجه من وجوه دور الحكومة المحصور.
ـ إذا نال رئس الحكومة الثقة وأصبحت حكومته مكتملة الشروط الدستورية فإنه وحده يدعو إلى انعقادها ويضع جدول أعمالها وله أن يوقف المجلس لحظة يشاء سواء حضر رئيس بجمهورية أم غاب فحضور رئيس الحكومة شرط لازم لانعقاد مجلس الوزراء ولا ينوب عنه أحد في ذلك حتى ولو كان خارج البلاد فإنّ مجلس الوزراء لا يمكنه الانعقاد لا في الأحوال العادية ولا في الاستثنائية، فنائب الرئيس لا يغني عنه في شيء سواء كان غائباً أو مريضاً أو عاجزاً.
ـ إذا قرّر مجلس الوزراء شيئاً فإنّ رئيس الوزراء له أن يمارس سلطته الاستنسابيّة في التوقيع عليه، فإذا رفض التوقيع على مراسيم أو قرارات اتخذت في المجلس فإنّ أحداً لا يجبره عليه وبالتالي يمارس هنا سلطة فوق سلطة مجلس الوزراء ولا نصّ يمنعه من ذلك، بينما نجد الأمر خلاف ذلك مع رئيس الجمهورية الملزم بقرارات مجلس الوزراء التي يُصرّ الأخير عليها.
ـ أما الأخطر من صلاحياته فهو ارتباط أو وصايته على مجالس وهيئات تعادل ميزانيتهما نصف موازنة الدولة (من غير رواتب) وتلغي عملياً أكثر من 7 وزارات.
هذا غيض من فيض من الأحكام غير المنطقيّة المعتمدة في النظام اللبناني والتي تستوجب المراجعة وإعادة النظر، ويفضل التعامل مع الموضوع بالحكمة وبعد النظر وعدم تكرار تجربة الوثيقة الدستورية وتعظيم الخسائر، ولهذا نرى وفي ظلّ الأزمة الراهنة الناشئة عن تعثر تشكيل الحكومة ومع استحالة إعادة النظر بكامل النظام والاتجاه إلى إقامة الدولة المدنية العادلة دولة المواطن وليس دولة الطوائف كما هو الحال الآن، ومن أجل الخروج من أزمة تشكيل الحكومة الآن نرى أن يُصار إلى نزع صواعق التفجير الذي حذّر منه كثيرون، وأكد على خطورته مؤخراً ودعا إلى حلّ دستوري للأزمة السيد حسن نصرالله من أجل معالجة مواطن التجميد والتعطيل، نرى أنّ يُصار وبشكل استثنائي وخلال الدورة العادية الحالية لانعقاد المجلس النيابي إلى إجراء تعديلات دستوريّة ضروريّة لا بل مُلحّة جداً تتضمّن:
1 ـ تحديد مهلة لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار من يكلفه تشكيل الحكومة وإصدار قرار التكليف إثرها. (نقترح أسبوعين).
2 ـ تحديد مهلة للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة قابلة للتجديد مرة واحدة بقرار من رئيس الجمهورية وإلا يسقط التكليف ويُصار إلى استشارات جديدة. (نقترح مهلة شهر قابلة للتجديد 15 يوماً).
3 ـ يوقع رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة المكلف مراسيم تشكيل الحكومة وفقاً لاقتراح الأخير بعد التحقق من مراعاة الدستور والتوازن الوطني. (في مهلة 10 أيام من تاريخ الإيداع).
4 ـ عند النزاع بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حول التشكيلة، يُعاد الأمر إلى مجلس النواب الذي عليه أن يفصل بينهما بقرار يتخذه بالأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس وفقاً لتشكيله القانوني، فإما يتمسك بالرئيس المكلف أو يُعيد النظر باختياره له.
5 ـ يُصار إلى التسلّم والتسليم بين الحكومة السابقة والحكومة الجديدة في لبنان بعد نيل الأخيرة الثقة، وتُمنع الحكومة المشكلة من ممارسة السلطة حتى نيلها الثقة.
نطرح هذه التعديلات لمعالجة أزمة مستعصية تهدّد مصير الدولة وللحؤول دون انفجار الوضع الداخلي وتكرار تجربة 1958 التي أفضت إلى الـ 6 و6 مكرّر أو تجربة 1975 وما بعدها من حروب لـ 14 سنة أفضت إلى اتفاق الطائف في العام 1989، ولتعالج ثغرات الدستور.
أشارت بعض المصادر المطلعة في الداخل اللبناني إلى أن الحكومة اللبنانية قد تخرج بهيكلها الجديد المنتظر إلى العلن خلال فترة أقصاها 72 ساعة .
حيث نقلت RT عن مصدر لبناني قوله أن الإشاعات التي تبشر بتشكيل ” الحكومة اللبنانية ” انتشرت في الوسط السياسي، إذ سيضم التشكيل حوالي 20 وزير.
و أشارت المعلومات إلى تداول اسم اللواء عباس ابراهيم المدير الحالي للأمن العام اللبناني ، ليحمل حقيبة وزارة الداخلية اللبنانية ، إضافة إلى 19 اسم آخر لم يتم الكشف عنهم بعد.
و تأتي هذه المعلومات على خلفية انهيار تاريخي لليرة اللبنانية في لبنان و وضع اقتصادي يعد الأسوأ في تاريخ البلاد ، إذ تخطى الدولار الأميركي الواحد حاجز الـ 15 ألف ليرة .