ما حقيقة المشروع السياسي لإنهاء الأزمة السودانية؟

0

جدل حول اتفاق يسعى لتمكين الجيش من السلطة والعقبات: الثوار والشارع والمجتمع الدولي

أثارت تسريبات بشأن اتفاق يجري الإعداد له بين المكون العسكري في السودان وفصائل متحالفة معه لتمكين سلطة العسكريين في الحكم، جدلاً واسعاً في مواقع التواصل ومجالس السودانيين، باعتبار أن مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يعقد الأزمة السياسية ويدخل البلاد في نفق مظلم وتوترات مستمرة، لتعارضه مع مطالب قطاع عريض من القوة التي تقود الاحتجاجات منذ اندلاعها في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، اعتراضاً على قرارات قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بإعلان حالة الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المدنيين، بحجة تصحيح مسار الفترة الانتقالية، بينما اعتبرها المعارضون انقلاباً عسكرياً.

لكن قياديين في الجبهة الثورية، أكدا لـ”اندبندنت عربية”، أن تشاوراً يجري في الساحة السياسية مع أطراف سياسية وعسكرية مختلفة في إطار مبادرة أطلقتها الجبهة الثورية للوصول إلى توافق يقود إلى تشكيل حكومة مدنية في إطار الشراكة بين المكونين العسكري والمدني، من دون أن تكون هناك سلطة مطلقة للجيش.

ووفقاً للأمين السياسي في حركة جيش تحرير السودان، نور الدائم طه، فإن الجبهة الثورية بدأت، في إطار مبادرتها، لقاءات مع بعض القوى السياسية والمكون العسكري من أجل التوصل إلى اتفاق لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية بموجب شراكة محددة تضم كل الأطراف دون إقصاء لجهة، لكن حتى الآن لا توجد رؤية أو وثيقة جاهزة تم الاتفاق عليها سراً أو علناً.

وتوقع طه أن تعلن قريباً حكومة مدنية بمشاركة السواد الأعظم من القوى السياسية والمدنية، بجانب العسكريين، على ضوء الموافقات المبدئية والتفاعل من كافة الأطراف مع المبادرة. فيما أكدت ستنا محمود، القيادية في مؤتمر البجا، أحد مكونات الجبهة الثورية، أن “أي كلام عن وجود اتفاق سري بين الجبهة الثورية والعسكريين غير صحيح، بل إن مبادرة الجبهة الثورية تهدف للعودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي، وتتكون من مرحلتين: الأولى استعادة الشراكة التي كانت قائمة بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وأطراف السلام، من خلال حوار تسبقه إجراءات لإعادة الثقة، تشمل إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء حالة الطوارئ، ووقف العنف ضد المتظاهرين. وتتضمن المرحلة الثانية بدء حوار مع بقية القوى السياسية ما عدا حزب البشير.

تقاسم السلطة

في المقابل، قال الكاتب السوداني، الجميل الفاضل، إنه “لا يستبعد أن يكون هناك اتفاق سري بين العسكريين والحركات المسلحة، وهذا أمر ليس جديداً أو مستغرباً، فقد حصل أن اعترف رئيس حركة جيش تحرير السودان، أركو مني مناوي، بأنهم وقعوا خلال فترة التفاوض بشأن السلام في جوبا على اتفاق تحت الطاولة مع المكون العسكري، بالتالي فإن الطرفين على درجة من التنسيق والتعاون من أجل التقاسم على السلطة، والتقيا في المصالح والمآرب لخدمة أجندتهما”.

وتابع الفاضل، “من الواضح أن الطرفين يسعيان بقدر المستطاع لخلق صيغة نظام شمولي يمكن من خلاله أن يحققا أهدافهما، بخاصة أن الحركات المسلحة ذات طابع عسكري، ومزاجها أقرب للعسكر من المدنيين، بالتالي فإن كل طرف يستقوي بالآخر لمواجهة الطيف المدني، لكن المؤكد أن مثل هذا الاتفاق لن يجد القبول سواء من قبل الشارع السوداني، الرافض الشراكة مع العسكر، أو من المجتمع الدولي، الذي ظل يشدد على تشكيل حكومة مدنية تحظى بقبول الشارع، وليس مجرد حكومة مزيفة تحت غطاء مدني، لكن بشكل عام، من الواضح أن العسكريين متشبثون بالسلطة، ولم ييأسوا من مشروع الانقلاب”.

جدل وضغوط

بحسب “رويترز”، فإن مشروع الاتفاق محل الجدل يأتي مع تعرض الجيش لضغوط بسبب الاقتصاد المتدهور، والاحتجاجات المتكررة على الرغم من حملة القمع العنيفة التي تشنها قوات الأمن ضد المتظاهرين، والتي راح ضحيتها 95 قتيلاً وآلاف الجرحى منذ بدء التظاهرات.

ويتضمن الاتفاق الذي صاغه سياسيون مقربون من الجيش، ويلقى قبولاً من المكون العسكري، بعض الإجراءات التي أشار الجيش بالفعل إلى أنه سيتخذها، مثل تعيين حكومة تكنوقراط وبرلمان للحكم حتى الانتخابات المتوقعة، العام المقبل، وترشيح أعضاء الهيئات القضائية ومفوضية الانتخابات. كما يقضي الاتفاق بأن الجيش هو السلطة المؤسسية والمشرف على المرحلة الانتقالية ويتولى سلطات مجلس الأمن والدفاع، على غرار التجربة الانتقالية التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس السابق، جعفر النميري، أبريل (نيسان) 1985.

مشروع الاتفاق نص كذلك على إطلاق سراح السجناء السياسيين كإجراء لبناء الثقة، وهو تعهد سبق أن تضمن اتفاقاً وقع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، عاد بموجبه الأخير لمنصبه رئيساً للوزراء. ومن بين المعتقلين حالياً عدد من القيادات السياسية الذين كانوا أعضاء في لجنة تعنى بمهام تفكيك نظام البشير، الذي يحمل اسم “المؤتمر الوطني”، بخاصة من الناحية الاقتصادية بعد حظره سياسياً.

فك العزلة

وربط مراقبون الجولة التي بدأها البرهان في العاشر من مارس (آذار) إلى خمس دول عربية وأفريقية هي بالترتيب الإمارات، والسعودية، ويوغندا، ومصر، وتشاد، بهذا الاتقاق، من ناحية تسويقه كمشروع وطني يجري التشاور حوله لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وإيجاد الدعم له لفك العزلة المضروبة على السودان بعد استيلاء الجيش على السلطة في نظر المجتمع الدولي، ما أدى إلى توقف المساعدات المالية التي تقدر بمليارات الدولارات من قبل مؤسسات التمويل الدولية وأصدقاء السودان.

وترفض لجان المقاومة، التي تقود التظاهرات الحالية، فضلاً عن غالبية الأحزاب السياسية المنضوية تحت مظلة قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، التي عزلها الجيش من الحكم، علانية الحوار مع الجيش، وطالبته بالانسحاب من المشهد السياسي والعودة إلى ثكناته، وتسليم السلطة إلى المدنيين كاملة.

وكان سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج في الخرطوم أكدوا، في وقت سابق، أنهم أجروا حديثاً صريحاً وبناء مع البرهان، وعبروا عن دعمهم حواراً يفضي إلى حكومة انتقالية مدنية ذات مصداقية. بيد أن البرهان ظل يؤكد في مناسبات عدة أن “الجيش لن يسلم السلطة إلا بعد الانتخابات”، وهدد بطرد مبعوث الأمم المتحدة، الذي يحاول المساعدة في التوصل إلى اتفاق سياسي إلى جانب الاتحاد الأفريقي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.