مدينة الثقافة والجمال .. متى تعود تعز لسيرتها الأولى؟
الحرب تدمر دوماً كل ما هو جميل وتجعله منسياً ، هذا الوصف ينطبق على مدينة تعز اليمنية ،والتي تشعر بانها أكثر المدن اليمنية نسياناً على الأطلاق .
محمد صالح القيسي قال لصحيفة الغارديان البريطانية “أريد أن يعرف العالم كله عن تعز، أريدهم أن يروا ما كانت عليه تعز، وماذا يجري فيها الآن”. كنا نجلس على مصطبة في شارع يعجّ بالدراجات النارية ورنين أجراس الدراجات الهوائية. وعلى بُعد عدة متاجر منّا، كان بعض الشباب الذين يتناولون الشاي الساخن الحلو يحملون بنادقهم على أكتافهم ويلوحون للمارة. وفوقهم كانت توجد لوحة إعلانات تروِّج لكتب من مطبعة جامعة كامبريدج البريطانية وشركة ماكغرو هيل الأمريكية.
العاصمة الثقافية
كانت ثالث أكبر مدن اليمن تُعرَف ذات يوم بأنَّها العاصمة الثقافية للبلاد. وكان التعزيون يفخرون بتخريجهم أفضل المُتعلِّمين، الذين صاروا أفضل المُعلِّمين والمحامين والطيارين وكل ما يخطر على بالكم. لكنَّها الآن تُعرَف بأنَّها أطول ساحة معركة مستمرة في اليمن، والأكثر تعرُّضاً للقصف بالغارات الجوية السعودية العنيفة، وأكثر المحافظات دموية في الحرب اليمنية المدمرة. ويضع الصراع الذي يدخل عامه السادس هذا الشهر، مارس/آذار، الحوثيين المتحالفين مع إيران في مواجهة الحكومة اليمنية المدعومة من جانب تحالف تقوده السعودية ويحظى بدعم القوى العسكرية الغربية.
وبتعز مزيج قابل للاشتعال من التقاتل في ما بين المجموعات المتنافسة التي سلَّحها التحالف، بما في ذلك أنصار الإسلام السياسي والسلفيين المتشددين الذين يتألفون من مسلحين متهمين بوجود صلات لهم بتنظيم القاعدة. قال القيسي وعينه تغرورق بالدموع: “أعرف ما كانت عليه هذه المدينة. وأعرف لِمَ ذهبتُ إلى المدرسة.
طغى القلق بشأن مصير ساحات القتال الأهم من الناحية الاستراتيجية، مثل مدينة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر والمتنازع عليها، على الاهتمام بمحنة تعز. وكان آخر جهد كبير لإبعاد الحرب عن اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2018، في المفاوضات التي توسطت فيها الأمم المتحدة وعُقِدَت خارج العاصمة السويدية ستوكهولم، ولم يجرِ التوصل إلا إلى “تفاهم” بشأن الحاجة للتباحث بشأن تعز. ولم يحدث أي تقدم أكثر من هذا منذ ذلك الحين.
لعبة شطرنج
وأدَّى إضافة تعز إلى قائمة المباحثات اليمنية الطويلة إلى جعل الأوضاع أصعب. فيقول بيتر سالزبري من مجموعة الأزمات الدولية: “بات مصيرها (تعز) الآن مرتبطاً بصورة أكبر بكثير ضمن لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد.
وفي الأسابيع الأخيرة، بعد واحدةٍ من أهدأ الفترات في هذه الحرب، شهدت جبهات رئيسية في أنحاء اليمن تصاعداً في القتال.
تعز هي مدنية منقسمة إلى شطرين، في صورة رمزية قبيحة للصراع الأوسع نطاقاً الذي يمزق بلداً كاملاً. فمن فوق قمة جبل صبر، وهو أعلى قمة في المدينة، من داخل الهيكل المُجوَّف المليء بالثقوب لِما كان يمثل يوماً منتجعاً سياحياً قيِّماً، توجد إطلالة باهرة. ويوفر المشهد، الذي كان يجتذب السياح في السابق، أفضل موقع لفهم الطوبوغرافيا السياسية لتعز.
يخترق خط الجبهة المدينة من الشرق إلى الغرب، ما يترك خطاً فاصلاً ظاهراً بين مناطق خضراء وبُنيّة. إذ تنتشر الخضرة كالمجسّات في المنطقة الواقعة بين الطرفين المتنازعين. ووراء هذا الخط، يقع نحو ثلث تعز في أيدي الحوثيين الذين يسيطرون على المرتفعات المُطِلّة على الحافة الشمالية للمدينة. فيما تدير الحكومة الجزء الباقي. وبنظرة مقربة، سيبدو الوضع كخط تماسٍ يسوده أزيز التوتر.
أكثر الضحايا بسلاح التحالف
ووفقاً للأرقام التي جمعتها الأمم المتحدة ومصادر بيانات أخرى بما في ذلك “مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها”، تسبَّبت غارات التحالف –التي تتم غالباً بقنابل بريطانية أو أمريكية الصنع- في أكثر الضحايا المدنيين الذين سقطوا في تعز وساحات القتال الأخرى في اليمن.
ويروي مروان: “كان الهجوم عنيفاً جداً لدرجة أنَّ الأمر استغرق منا 6 أيام للعثور على الأشلاء. لقد بحثنا عنها في المنازل المجاورة، وفي الشوارع، وفوق الأسطح”. ولقي ثمانية من جيرانه حتفهم في الهجوم نفسه.
وقالت زهرة بمرارة: “الكل باع اليمن من أجل مصلحته. فالحوثيون يعملون مع إيران، ونصف المقاومة تعمل مع السعودية والنصف الآخر مع الإمارات”. إنَّه تحسُّر ليس منشأه فقط الأطراف الرئيسية المتحاربة، بل وكذلك المناوشات بين القوى المحلية المُدرَّبة والمُسلَّحة من الدول العربية في التحالف. إنَّ قصة زهرة هي ذاتها قصة الحرب اليمنية. إذ مات أصغر أبنائها في أولى الغارات، ثُمَّ أُردي ابنها الأكبر قتيلاً بعد ذلك، وفقدت إحدى بناتها عيناً، وفَقَدَ زوجها عقله من الحزن. وأضافت: “يرون هذه الأزمة الضخمة تحدث لنا.