مفاوضات السلام السودانية.. تقارب في وجهات النظر
لا شك أن تحقيق السلام في جميع الدول التي تحلم بحدوث هذا الأمر بين أطرافها المتنازعة يعتبر أمراً بالغ الأهمية، لأن السلام من شأنه أن يعمل على تطوير وتقدم البلاد، كما أنه يساهم في النهضة الكبرى على جميع مستوياتها سواء اقتصادية أو عمرانية أو غيرها .
تحقيق السلام
ويتمنى الشعب السوداني تحقيق السلام في أقرب وقت ممكن بين الحكومة الانتقالية في السودان وقوات تحالف الجبهة الثورية .
إذ وصل الطرفان الآن مرحلة النظر في ملف الترتيبات الأمنية في إطار مفاوضات السلام السودانية التي قد تكون الأصعب من بين الملفات التي أنجز الطرفان تفاهمات واسعة في كثير منها، منذ انطلاق مفاوضات السلام في ديسمبر الماضي وذلك بعد توقيع اتفاق إعلان مبادئ في سبتمبر.
مسارات التفاوض
وللمفاوضات السودانية مساران، الأول مع الجبهة الثورية، وهي تحالف يضم عدداً من الحركات المسلحة تقاتل في إقليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، ولجميع هذه الحركات مطالبها المختلفة .
ومن أبرز تلك الحركات، حركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، والحركة الشعبية قطاع الشمال، فصيل مالك عقار .
أما المسار الثاني، وهو منفصل بشكل قاطع عن المسار الأول، وفيه تتفاوض الحكومة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، فصيل عبد العزيز الحلو، وهي الحركة التي تُصنف على أنها الأقوى على مستوى وجودها في الميدان وسيطرتها على أجزاء واسعة من إقليم جنوب كردفان بشكل عام .
علمانية الدولة
ومن اللافت حتى الآن أن التفاوض مع هذه الحركة لم يتقدّم مطلقاً ولم يحقق أية تفاهمات عملية على أرض الواقع، وذلك في ظل تمسك الحركة بمبدأ علمانية الدولة عبر فصل الدين عن الدولة .
كما أن الحركة تقترح، في حال عدم القبول بذلك، القفز مباشرة لمناقشة تقرير المصير لكل من منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، باستفتاء سكانهما ما بين الانفصال أو البقاء في الدولة السودانية، في حين رفضت الخرطوم تلك المقترحات وبقي التفاوض مجمّداً طوال الأشهر الماضية من دون إعلان فشله بصورة نهائية .
وعلى العكس بالنسبة إلى المسار الأول الخاص بالجبهة الثورية، فإن حوارها مع الحكومة السودانية بلغ مراحل متقدمة ومتطورة، مع توصل الطرفين إلى تفاهمات نهائية بشأن حل ملفات مناطق وسط وشرق شمال السودان، بالاتفاق على حل المشكلات هناك وغالبها خدمية وتنموية.
التعقيد سيد الموقف في دارفور
أما في ما يتعلق بملف إقليم دارفور، فيبدو أن الأمر معقّداً لدرجة كبيرة، في ظلّ الاضطراب الأمني هناك منذ عام 2003 وتدويل القضية بفعل صدور سلسلة قرارات من مجلس الأمن الدولي إثر الاتهامات بوجود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في الأقليم .
وتم في الأقليم أيضاً مقتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزوح ولجوء ما يزيد عن مليونين آخرين إلى بلدان مختلفة، وذلك طبقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
وبموجب كل ذلك توصلت الوفود المفاوضة إلى اتفاقيات حول العدالة الانتقالية، وملكية الأرض في الإقليم، وأسس توزيع الثروة، والعودة إلى نظام الحكم الإقليمي بدلاً من نظام الولايات الذي كان يتبع في عهد الحكومة السابقة .
ومن المقرر أن تبقى هناك بنود عدة للاتفاق عليها، ومنها المشاركة في السلطة، وملف الترتيبات الأمنية، عدا النقاش حول القضايا القومية مثل الدستور القومي والإصلاحات القانونية .
اختبار جديد
ويوم الخميس الماضي، كانت الأطراف المختلفة بمسار التفاوض قد اعنلت عن انطلاق المحادثات حول ملف الترتيبات الأمنية الخاصة بمسار دارفور، ومن المقرر ان تستمر نحو 10 أيام .
وبحسب كل المؤشرات، فإن مناقشة الموضوع سيكون اختباراً جدياً للطرفين لصعوبته، وارتباطه بمستقبل عناصر الحركات المسلحة، والأهم ارتباطه بهيكلة القوات المسلحة السودانية من جديد، وإعادة تشكيلها على أسس جديدة، تعكس التنوع السوداني في تجلياته الجهوية والثقافية والدينية .