إليكم أبرز الأسباب التي تضع محمود عباس وبنيامين نتنياهو في قفص الاتهام
يتشابه موقف محمود عباس مع موقف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بعد وضع رئيس السلطة الفلسطينية نفسه في قفص الاتهام -من جانب حماس وفصائل أخرى- بعد قراره تأجيل الانتخابات.
كان محمود عباس قد أصدر، الخميس 29 أبريل/نيسان الماضي، قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية التي كانت مقررة في مايو/أيار الجاري، بعد اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله، مبرراً القرار بالإصرار على مشاركة القدس المحتلة في الانتخابات، وهو ما رفضته إسرائيل، لكن القرار أثار انتقادات عنيفة من جانب كثير من الفلسطينيين، ووصفته حركة حماس بأنه “انقلاب على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية”.
ولا يمكن القول إن قرار عباس تأجيل الانتخابات لم يكن متوقعاً، إذ كانت معطيات الموقف ومؤشراته تصب في صالح ذلك السيناريو، خصوصاً في ظل التشظي الواضح الذي تعاني منه حركة فتح وتقديم ثلاث قوائم للحركة، واحدة رسمية واثنتان قدمهما قياديان مفصولان من الحركة هما ناصر القدوة ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومحمد دحلان، ويرى محللون أن عباس بتأجيله للانتخابات يستفيد من قطع الطريق على القدوة ودحلان بتقسيم حركة فتح وإظهار حجمها الحقيقي في الشارع الفلسطيني.
نتنياهو والتمسك بالسلطة
وتناول تقرير لمجلة The Economist البريطانية أوجه الشبه بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، من زاوية سعي كل منهما للتشبث بالسلطة بصورة واضحة، فقد حكم كل منهما لفترة طويلة، لدرجة أنه بات من الصعب تصوُّر أشخاص آخرين في مكانيهما، ومع ذلك لا يبدو أي منهما الآن آمناً على منصبه ذاك، فنتنياهو، الذي يتمسك بمنصبه منذ عام 2009، يصارع لتشكيل حكومة جديدة، ومحاولة استباق المعارضة التي تقترب من التوصل إلى اتفاق من شأنه الإطاحة به.
أما عباس، الذي يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية منذ عام 2005، فقد باتت شعبيته في انحدار لا يتوقف، ولو أجرى انتخابات حرة ونزيهة، كما وعد أن يفعل هذا العام، فإن الاحتمال الأرجح أن يخسرها، ومن ثم فالسؤال هل يصبح الرجلان خارج منصبيهما قريباً؟ بحسب تقرير المجلة البريطانية.
واقع الأمر أن كليهما لا يبدي، ولو بادرة، على نيته الاستسلام، فعلى الرغم من أن نتنياهو قاد حزبه الليكود إلى الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التي عُقدت في 23 مارس/آذار الماضي، فإن ائتلافه اليميني عجز عن تحقيق الأغلبية في الكنيست، غير أنه ما انفك، على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، يحاول -ويفشل- في إقناع أحزاب أخرى بدعم كتلته.
وبلغ الأمر بزعيم الليكود التواصل (عبر وسطاء) مع حزب “راعم” الذي يهيمن عليه ذوو الأصول العربية. ومع ذلك فإن هدفه الرئيسي كان استقطاب نفتالي بينيت، زعيم حزب “يمينا”، وهو حزب قومي يميني مشابه لحزب الليكود. وبينيت، الذي كان في يوم من الأيام رئيس الأركان في حكومة نتنياهو، يقول أيضاً إن “الباب مفتوح أمام تشكيل حكومة يمينية”.
لكن بينيت بدأ مع ذلك في التفاوض مع أحزاب معارضة لزعيم الليكود نتنياهو، فهي أيضاً عاجزة عن بلوغ عتبة الأغلبية، لكنها وإن لم يكن لديها إلا قليل من القواسم المشتركة فإنها تجتمع على ازدراء رئيس الوزراء نتنياهو. ومع ذلك يحتاج بينيت لتشكيل حكومة إلى دعم حزب عربي واحد على الأقل، غير أن بينيت لا يرغب في ذلك حتى الآن. ومن جهة أخرى يتودد إليه يائير لابيد زعيم حزب “يش عتيد” المنتمي إلى قوى الوسط ومهندس التحالف المناهض لزعيم الليكود نتنياهو. وقد أبدى لابيد، الذي حصل حزبه على عدد مقاعد يفوق عدد مقاعد “يمينا”، استعداده لفتح الطريق أمام بينيت لتولي رئاسة الوزراء أولاً، إذا اشتركا في تشكيل حكومة دورية.
ولما كانت قيادة نتنياهو على المحك فإنه بدأ يضرب يمنة ويسرة، إذ دعا إلى انتخابات مباشرة لرئيس الوزراء، وحرَّض أنصاره على مهاجمة بينيت، وفي 27 أبريل/نيسان، حاول نتنياهو تعيين عضو من حزب الليكود وزيراً للعدل، وهي خطوة اعتبرها المدعي العام غير قانونية لأنها تنتهك الاتفاقية التي شُكِّلت على أساسها الحكومة الحالية، ومن ثم بعد أن أوقفت المحكمة العليا الإسرائيلية التعيين، اضطر نتنياهو إلى التراجع وإعطاء المنصب لمنافسه بيني غانتس.
وكان الاتفاق بين نتنياهو وغانتس في أعقاب جولة الانتخابات السابقة، في عام 2020، يقضي بمنح السيطرة لحزب بينيت على وزارة العدل. كما أن الاتفاق يجعل بينيت رئيساً للوزراء في وقت لاحق من هذا العام إذا لم تُشكَّل حكومة جديدة ولم تُعقد انتخابات جديدة، ويريد غانتس الآن التخلص من نتنياهو بأي طريقة.
نتنياهو لديه سببان وجيهان للسعي من أجل السيطرة على وزارة العدل. أولهما أنه يُحاكم بتهم فساد، وهي اتهامات يرغب في التخلص منها. وثانيهما تجديد انتقاداته للمحكمة العليا من خلال إثارة مواجهة معها. فهو يقول إنها تتصرف مثل “حكومة عظمى مهيمنة” غير منتخبة. وربما كان يعتقد أن هذه الخطوة ستجعل الأمر أصعب على بينيت، الذي لديه انتقادات أيضاً للمحكمة، للعمل مع أطراف تدعمها. لكن يبدو أن هذه الخطوة، على خلاف هدفها، حفَّزت أولئك الذين يحاولون الإطاحة برئيس الوزراء المتشبث بمنصبه.
محمود عباس متمسك أيضاً بمنصبه
وعلى الجانب الآخر لا ترتبط معضلة الفلسطينيين فقط بالاستقرار، فعدد الجولات الانتخابية التي أجروها في العقود الثلاثة الماضية أقل مما أجرته إسرائيل في العامين الماضيين، وقد انتُخِب عباس لولاية مدتها 4 سنوات في عام 2005، لكنه ظل منذ ذلك الوقت في منصبه، وهو الآن متهم مرة أخرى بأنه يسعى لقتل الوقت للبقاء في منصبه، من خلال الحفاظ على الوضع الراهن، بحسب أغلب المراقبين في الداخل والخارج.
وكان من المفترض أن ينتهي هذا الجفاف الديمقراطي الطويل، في 22 مايو/أيار، إذ كان من المقرر أن يصوّت الفلسطينيون أخيراً من أجل اختيار مجلسٍ تشريعي جديد، ويتبع ذلك انعقاد الانتخابات الرئاسية في يوليو/تموز. ومع ذلك، لم يتفاجأ أحد عندما أخذت تظهر بوادر تشير إلى أنه من المرجح لهذه الانتخابات الآن أن تتأجل، وبالفعل قرَّر عباس تأجيل الانتخابات.
وألقى عباس باللوم على إسرائيل، التي تُلزمها اتفاقيات أوسلو بالسماح لفلسطينيي القدس الشرقية المحتلة بالمشاركة في الانتخابات التي تجريها السلطة والتصويت في مكاتب البريد، وقال إن إسرائيل أبلغت وسطاء دوليين بعدم إمكانية اتخاذ قرار قبل تشكيل حكومة. لكن الثابت هو أن إسرائيل اعتقلت في 17 أبريل/نيسان ثلاثة مرشحين فلسطينيين، حاولوا عقد مؤتمر صحفي انتخابي في القدس الشرقية، كما دفعت إسرائيل باتجاه تصعيد التوترات بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين، واشتبكت الشرطة الإسرائيلية مع متظاهرين فلسطينيين، في 22 أبريل/نيسان، بعد مسيرة نظَّمتها جماعات يمينية متطرفة متحالفة مع نتنياهو.
أعلن عباس إجراء الانتخابات في القدس “خطاً أحمر”، قائلاً: “إذا لم أضمن إجراء الانتخابات في القدس فلن تُجرى أي انتخابات في بقية الأراضي الفلسطينية”. واقع الأمر أن هذه الشكوى، وإن كانت شكوى مشروعة، فإنها أيضاً ذريعة مناسبة. فقد قُدِّمت بالفعل اقتراحات لإجراء انتخابات في القدس دون إذن إسرائيل، لكن عباس رفض الاستماع إليها. والحال أنه ممتن لاتخاذ ذلك الأمر حجةً لإلغاء الاقتراع الذي قد يخسره، بحسب تقرير المجلة البريطانية.
وكان عباس قد قال ذات مرة إنه سيطلق النار على أي شخص ينشق عن حركة “فتح” إلى حزب جديد، لكن واقع الانقسامات الكثيرة الأخيرة يكشف أنه سيحتاج إلى كثير من الذخيرة لفعل ذلك، فقد ظهر فصيلان منشقان في الفترة التي سبقت الانتخابات: أحدهما، قائمة “الحرية”، بقيادة ناصر القدوة المتحالف مع مروان البرغوثي، القيادي المخضرم في حركة فتح، والفصيل الآخر، هو قائمة “المستقبل”، التابعة لرئيس الأمن الوقائي السابق، محمد دحلان، الذي يعيش الآن في المنفى في أبوظبي.
كان استطلاع أُجري في مارس/آذار قد كشف أن فتح على الأرجح لن تفوز بأكثر من 32% من الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي، وأن كلا الطرفين، قوائم المنشقين وحركة “حماس”، ستحصل على عدد مقاعد أكبر منها، وتبدو الاحتمالات قاتمة بالقدر ذاته للرئيس عباس فيما يتعلق بالاقتراع الرئاسي، إذ تذهب التوقعات إلى خسارته بفارق كاسح لصالح البرغوثي، إذا خرج من السجن، أو لصالح إسماعيل هنية، زعيم حماس، إذا قرر اختبار حظه في المشاركة.
ومن جهة أخرى، لا ترغب إسرائيل على أي نحو أن ترى حماس فائزةً بالانتخابات مرة أخرى، وتتوافق مصالحها مع مصالح عباس، الذي يرى في الحركة تهديداً لقبضته على السلطة. ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحليلاً بعنوان “تأجيل الانتخابات الفلسطينية دليل على أن مصلحة عباس باتت أقرب لمصلحة إسرائيل”، ألقى الضوء على التقارب الواضح بين ما يريده كل من عباس ونتنياهو في هذه المرحلة.
لكن حتى إذا أُلغيت الانتخابات تماماً وتأخر تحديد موعد جديد لها، فإن هذه القبضة ستستمر في التراخي، فعباس يبلغ من العمر 85 عاماً، وقد سافر مؤخراً إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية غير محددة. كما كشفت الفترة التي سبقت الانتخابات عن مدى الانقسامات الواقعة داخل حزبه الحاكم، ومن ثم فإن إلغاء الانتخابات من شأنه أن يقرَّ التصور المنتشر عن إدارته، ويجلب مزيداً من الانتقادات لها بوصفها إدارة استبدادية ترتكز حول مصلحته الذاتية في المقام الأول.