نهب وخطف واختفاء المروءة (آخر مكالمة).. قصة منطقة بلا قانون

في ظل الإنفلات الأمني الكبير الذي تمر به البلاد أخيراً، ظهر العديد من وسائل النهب في الشارع العام، مما تسبب في ترويع المواطنين، فهناك من يطلق على هذه الظاهرة (9 طويلة) وغيرها من المسميات. وعلى الرغم من الجهود الأمنية المكثفة الا أن الأمر مازال في ازدياد، فهناك بعض المناطق بالولاية أصبحت وكراً لهذه العصابات.
ومناطق متفرقة من مدينة أم درمان تشهد ذلك بصورة راتبة خاصة منطقة (الشباب) بالقرب من سوق ليبيا حتى سميت بـ (آخر مكالمة)، ومن المستحيل أن تمر بهذه المنطقة وتعود بهاتفك، بل يتم خطفه بمجرد وصولك الى تلك المحطة، وعلى الرغم من وجود كثير من ارتكازات الشرطة هناك، الا أنه لا يمر يوم بدون خطف هاتفين أو أكثر، مما وضع السلطات الأمنية في حيرة كبيرة لعدم استطاعتها السيطرة على هؤلاء المجرمين.
انتشار كبير
لا يخفى على أحد الوضع الاقتصادي الطاحن الذي يعاني منه الجميع، وتسبب في انتشار كثير من الظواهر الدخيلة علينا، مما أدى الى تهديد المجتمع، فظاهرة النهب ليست جديدة بل لم تكن بهذا الشكل الكبير من قبل.
وفي كثير من الأحيان نجد أن السبب الرئيس لانتشار هذه الظاهرة الوضع الاقتصادي وانتشار متعاطي المخدرات بجانب البطالة الكبيرة وسط الشباب، وهناك أسباب أخرى وتعقيدات كثيرة تخللت القضية واسئلة كثيرة تفرض نفسها حول السبب الرئيس الذي أدى الى ذلك وصمت الجهات المختصة.
(الانتباهةّ) التقت بعدد من مواطني المنطقة وبعض أفراد الشرطة المرتكزين هناك، لمعرفة تفاصيل ما يحدث هناك، وخرجت بالكثير والمثير حول حقيقة الأمر، والسطور التالية تحدثنا عن ذلك:
ضحايا
وبشأن ما يحدث من جرائم مختلفة في منطقة (آخر مكالمة) تروي الشابة (م. ع) لـ (الانتباهة) تفاصيل الطريقة التي نهبت بها، حيث قالت: (في يوم من الايام كنت عائدة من الجامعة، وعند وصولي لتلك المحطة باعتبار أن منزلنا هناك، اعترضتني مجموعة نهب تحمل في يدها عدد من الآلات الحادة في وضح النهار وأمام أعين المارة، ولم يقف أحد بجانبي خوفاً من التعدي عليه، وقاموا بضربي بطريقة بشعة حتى كدت أفقد وعيي بسبب مقاومتي لهم، وفي نهاية الأمر تسببوا لي في أذى جسيم، ولم أستسلم فقمت بضرب أحدهم، ورغم ذلك تم نهب حقيبتي، وأنا الآن طريحة الفراش بسبب ما تعرضت له. ولم يكن موقفي الأول ولا الأخير فكل يوم يتكرر نفس السيناريو والشرطة عاجزة عن حسم ذلك. وعبركم أوجه رسالة لوزير الداخلية بالاجتهاد أكثر لتوفير الأمن والحماية لنا، بعد أن أصبحنا نخاف حتى من الجلوس في منازلنا، ورسالة أخرى للشعب السوداني بأن عودوا كما كنتم اذا رأيتم أحداً يُظلم وينهب أمامكم، ولا تتفرجوا بل دافعوا معه، وبذلك يمكن أن نقضي على هؤلاء المجرمين وحدنا).
ومن ناحيته كشف الشاب عمر خليل عن تعرضه للنهب في هذه المنطقة لأكثر من ثلاث مرات، وقال لـ (الانتباهة): (من النادر أن تمر بهذا المكان دون أن يتم نهب هاتفك اذا كان ذلك نهاراً أو ليلاً، ومهما كنت حريصاً لن تمر بسلام من هؤلاء، فأنا تعرضت للنهب أكثر من ثلاث مرات وغيري كثر وليس لدينا حل، فاذا حاولت المقاومة يمكن أن تقتل بدم بارد، وأقترح بدلاً من تسمية المنطقة آخر مكالمة أن تسمى آخر مقاومة)، وأضاف قائلاً: (حتى الأمن فقدناه، والله يخارجنا من البلد دي وكان الله في عوننا).
تعدٍ وخوف
وعن موقف أهالي المنطقة من هذا الأمر يقول المواطن اسحاق أحمد لـ (الانتباهة): (اسم المنطقة في الأصل (منطقة الشباب لفة ميامي)، وأخيراً سميت (آخر مكالمة) نسبة لأنه أثناء إجراء مكالمة هنا بالتأكيد ستكون الأخيرة، لأنه حتماً سيتم خطف هاتفك، وحتى اذا لم تجر أية مكالمة سينهب هاتفك، وفي اليوم يتم خطف أكثر من (5) هواتف، ولاحظنا أن هؤلاء المجرمين ليسوا من أهل المنطقة بل يأتون من مناطق أخرى، كما يأتون في الفترات المسائية أكثر من الصباحية نسبة لعودة المواطنين في المساء (والواحد لو راكب في عربيتو ونزل القزاز عايز يشتري حاجة بكون خايف لأنوا بجوك 7 او 8 أشخاص لنهبك، وما حتقدر تدافع عن نفسك، ولو حاولت ممكن تتعرض للضرب أو القتل)، والحل الوحيد لمحاربة هذه الظاهرة استتباب الأمن كي نستطيع العيش في هذه المنطقة).
اما المواطنة عواطف السر فتقول لـ (الانتباهة) ان ظاهرة النهب والخطف في ازدياد مستمر، وأضافت قائلة: (لا يمر يوم بدون خطف عدد من هواتف المارة، وفي احد الأيام شاهدت بأم عيني بعض المجرمين قاموا بنهب رجل مسن وفروا هاربين، ولكن الرجل لم يستسلم بل حاول اللحاق بهم، وعندما قطع الاسفلت باتجاه (الخور الجنوبي) سقط الرجل على الأرض وعندما رفع من قبل الموجودين وجد ميتاً، ومن المفترض أن تتدخل الشرطة لحل هذه المشكلة، لأن هناك غلابى يتعرضون للنهب يومياً خاصة الذين يعملون برزق اليوم باليوم).
ومن جهتها قالت المواطنة بثينة اسماعيل لـ (الانتباهة): (انتشرت عصابة (9 طويلة) وهم يحملون سكاكين وسواطير امام الجميع بل يقومون بالتهديد والنهب، (ولو دقست بلحسوك طوالي)، ونحن نعيش في رعب دائم بسبب متسوري المنازل من هذه العصابة، وكل يوم يتم ضرب شخص أو اثنين من قبل هذه العصابة والشرطة لم تفعل شيئاً), مناشدة السلطات المختصة تضافر جهودها ومحاربة تلك الظواهر التي باتت تهدد كافة الشعب السوداني، بحسب تعبيرها.
تناسب طردي
وفي ما يتعلق بأسباب انتشار الظاهرة والآثار الأمنية المترتبة على ذلك يقول الخبير الأمني خالد عبيد الله لـ (الانتباهة) إن نسبة البطالة تتناسب طردياً مع ارتفاع معدل الجريمة خاصة السرقة والنهب، واضاف قائلاً: (التضخم وعدم وجود اعمال او وظيفة بجانب عدم وجود مواعين تستوعب طاقات الشباب وزيادة الفاقد التربوي، أثر سلباً بازدياد هذا الأمر).
تكرار وحماية
ومن جهته قال أحد أفراد الشرطة المرتكزين في منطقة (آخر مكالمة) لـ (الانتباهة) وقد فضل حجب اسمه، إن هذه المنطقة من أكثر المناطق التي تنتشر فيها جرائم نهب وخطف الهواتف والحقائب بجانب أشياء أخرى، مؤكداً أنه خلال اليوم الواحد يتم نهب (8) هواتف أو أكثر، وأضاف قائلاً: (هذه العملية تتم من قبل أشخاص غير معروفين، لذلك قامت الشرطة بوضع حماية في كل المناطق، كما قامت بتوزيع الأفراد والدوريات على كل المحطات لحماية وأمن وسلامة المواطنين)، نافياً ما أشيع حول نهب المواطنين أمام أعينهم، وأوضح قائلاً: (أية عملية نهب تتم بالقرب من محطة ارتكازنا لم يفلت منها الا القليلون، بل نقوم بالقبض على معظمهم).
سيولة أمنية
وفي ذات السياق يرى عدد من الخبراء الأمنيين والعسكريين والشرطيين ان انتشار الجريمة بسبب السيولة الامنية وأسباب عديدة يلخصونها في ما يلي:
حيث يقول الاستاذ بالاكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية اللواء د. معتصم عبد القادر ان الدول تقسم الى ثلاثة اقسام: مستقرة وهشة وفاشلة، وهي مصطلحات دولية تستخدم في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، وهنالك معدلات معينة تقاس بها الجريمة مقارنة مع عدد السكان والتكرار الزمني لها.
وقال في حديثه لبرنامج (حديث الناس) بقناة النيل الأزرق: (المهددات الامنية الآن مختلفة عن سابقاتها، وهنالك تصنيفات لحالة السيولة الأمنية التي تعيشها البلاد الآن، اهمهما المهددات السياسية داخلية وخارجية والجانب العسكري بوجود قوات الحركات المسلحة وانتشار الجريمة المنظمة والمسألة الاقتصادية الصعبة، بالاضافة للصراعات والنزاعات القبلية واشكالية البنى التحتية التي تتعرض للتخريب، بالاضافة للاعلام المفتوح).
استنزاف الشرطة
واشار الى ان الموجة التي صاحبت الفترة الانتقالية وتم فيها تشويه صورة الاجهزة الامنية والعسكرية ومحاولات ادخالها في شعارات الثورة كان لها اثر نفسي كبير على معنويات القوات النظامية، بجانب الاستنزاف الكبير لقوات الشرطة في عمليات مكافحة الشغب التي خصمت من دورها الجنائي وكان له الاثر في حالة عدم الاستقرار الامني بالبلاد.
واوضح قائلاً: (البلاد الآن تعاني من فراغ دستوري اثر في الحالة الامنية، وهنالك جهات تستغل وضع حركات الكفاح المسلح وتقوم بتزوير وانتحال صفتها، وتقوية الاجهزة الامنية يحتاج الى موارد مادية ومالية كبيرة غير متوفرة، ومن الصعب حشدها اذا لم يتم التوصل لاتفاق سياسي شامل، والحالة العامة في البلاد الآن تساعد على انتشار واستفحال الجريمة).
قوات داخل المدن
وبالمقابل قال الخبير الشرطي اللواء شرطة د. أبو محمد جعفر ان الشرطة معنية بالامن الداخلي في أي بلد، مشيراً في برنامج (حديث الناس) بقناة النيل الأزرق الى ان اسباب السيولة الأمنية الآن وجود سلاح منتشر خارج نطاق الدولة ووجود قوات عسكرية غير نظامية داخل المدن، بالاضافة للحالة المعيشية الصعبة وانتشار تجارة وتعاطي المخدرات.
ومن جهته قال الخبير العسكري اللواء أمين اسماعيل مجذوب لبرنامج (حديث الناس) بقناة النيل الأزرق: (كل الفترات الانتقالية في العالم تشهد نوعاً من الحرية غير المسيطر عليها، وهذا ما يحدث في السودان الآن)، موضحاً ان الحالة تحتاج لتدريب وتعديل بعض الاختصاصات للاجهزة الأمنية.
وأشار الى أن التحديات الداخلية والخارجية هي التي افضت للسيولة الأمنية في البلاد، مشيراً إلى أن المجتمع السوداني الآن يعاني من مشكلة النزوح واللجوء من مناطق النزاعات للمدن الحضرية، وقال: (الاشكالية في سبل كسب العيش والاندماج في المجتمع الجديد، بالاضافة للوجود الاجنبي الكبير والفراغ السياسي والدستوري الذي تعيشه البلاد وعدم وجود ضبط في البيوت بسبب غياب الاب بالاغتراب او العمل خارج المنزل طوال اليوم).
تغييب وشلل
وكشف عن وجود خطة ممنهجة لتغييب الشباب السوداني حتى تكون الدولة شبه مشلولة وتصل الى مرحلة الدولة الفاشلة، وأوضح قائلاً: (ينفذ هذه الخطة شركاء خارجيون ووطنيون بالإضافة لغياب الوازع الديني، والمخدرات الآن وصلت الى مرحلة الأساس في التعليم للأسف، والسودان اصبح من اكثر الدول تعاطياً وتداولاً للمخدرات، وتم شغل الشرطة بالحراك السياسي واضعافها بشعارات الكراهية، بالاضافة الى أن الاستيعاب للشرطة غالباً يكون من الفاقد التربوي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.