ماقصة مرسوم تعديل حدون لبنان البحرية الذي يرفض عون توقيعه؟
كل شيء في لبنان يؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي حتى وإن كان خاصاً بتعديل الحدود البحرية للدولة، تقويةً لموقفها في مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، فما قصة رفض الرئيس ميشال عون التوقيع على المرسوم؟
كانت لبنان وإسرائيل قد بدأتا بالفعل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين لترسيم الحدود البحرية، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية، إثر نزاع بينهما على منطقة في البحر المتوسط غنية بالنفط والغاز.
وبعد عقد 4 جلسات في مقر بعثة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) في منطقة الناقورة الحدودية، جنوب لبنان، لم تعقد الجلسة الخامسة التي كانت مقررة في 2 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعدما طلب الجانب الإسرائيلي تأجيلها.
متى بدأت قصة تعديل حدود لبنان البحرية؟
بدأت القصة عندما رفع الجيش اللبناني قبل فترة الى الحكومة عبر وزارة الدفاع، مذكرة تتضمن لوائح بتعديل إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية، وتفيد بوجود مساحة إضافية تعود إلى لبنان عن الإحداثيات التي كانت قد وُضعت عام 2011.
وقبل نحو شهر أقر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب مرسوماً يوسع المنطقة التي يطالب بها لبنان في خلافه بشأن الحدود البحرية مع إسرائيل، ويعدل المرسوم الحدود البحرية جنوباً، عبرَ إضافة 1430 كيلومتراً مُربعاً إلى المنطقة اللبنانية، جنوبي ما يُعرف بالمساحة المتنازع عليها مع إسرائيل.
وأُحيل مشروع المرسوم الخاص بتعديل المرسوم الأولي رقم 6433 لسنة 2011 إلى الرئاسة لإقراره قبل تقديم طلب للأمم المتحدة للمطالبة الرسمية بتسجيل الإحداثيات الجديدة للمنطقة البحرية، لكن حتى اليوم 3 مايو/أيار لم يوقع عون بعد على المرسوم.
وتسبب عدم توقيع عون على المرسوم في أزمة جديدة على الساحة اللبنانية، في ظل وصف ناشطين موقف عون “بالخيانة العظمى” خدمة لمصالح سياسية، وفق تقرير لوكالة الأناضول التركية، إذ عبر العميد المتقاعد سامي رمّاح عن استغرابه، لافتاً إلى “توقيع الرئيس عشرات المراسيم “بشكل استثنائي”، أي من دون انعقاد مجلس الوزراء، بينما يتمنّع عن توقيع تعديل المرسوم 6433، على الرغم من أهميته البالغة في حفظ ثروة لبنان النفطية”.
وحذّر رمّاح من وجود صفقة سياسية تجري تحت الطاولة، لافتاً لوكالة “الأناضول” أن “عدم توقيع عون على تعديل المرسوم تزامناً وزيارة هيل، سببه أن هناك محاولة لفرض مقايضة بين رفع العقوبات الأمريكية عن جبران باسيل وعدم التوقيع على تعديل المرسوم”.
وما يقصده “رماح” هنا هو تزامن عدم توقيع عون على المرسوم مع زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت الأسبوع الماضي، التقى خلالها مسؤولين لبنانيين، ليعلن بعد لقائه عون أن واشنطن مستعدة لتسهيل استئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كلم مربعاً بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وهي تعد غنية بالنفط والغاز. وفي حال تم تعديل “المرسوم” من جانب السلطات اللبنانية، تزيد مساحة لبنان في البحر 1430 كلم مربعاً إضافياً، وتصبح بذلك المساحة المتنازع عليها هي 2290 كلم مربعاً.
كيف يبرر عون موقفه؟
التعديل وافق عليه الوزراء المعنيون في حكومة تصريف الأعمال، إلا أنه لم ينل توقيع رئيس الجمهورية. ففي 13 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت رئاسة الجمهورية أن “تعديل المرسوم 6433 يحتاج إلى قرار الحكومة (مجلس الوزراء) مجتمعة، وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف أعمال، نظراً لأهميته والنتائج المترتبة عليه”.
ويعجز لبنان، جراء خلافات سياسية، عن تشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/آب الماضي، إثر الانفجار الكارثي في مرفأ العاصمة بيروت، والذي سقط ضحيته أكثر من 200 قتيل و4000 جريح.
وكان المكتب الإعلامي لجبران باسيل – صهر عون – قد أصدر بياناً الإثنين الماضي، وصف المعلومات التي نشرتها بعض الصحف بـ”الإشاعات والفبركات والأكاذيب”، مضيفاً أنه “لو كان باسيل من يقايض على السيادة الوطنية وثروة اللبنانيين الطبيعية، أو لو كان يخضع للضغوط والترهيب لما وضعت عليه بالأساس عقوبات جائرة”.
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على باسيل (صهر عون، ووزير الخارجية السابق) بدعوى “تورطه في الفساد والعلاقات مع حزب الله اللبناني، حليف إيران والنظام السوري.
لكن رمّاح، وهو عضو في مجموعة “جبهة 17 تشرين/أكتوبر” المعارضة، لفت إلى أن “توقيع تعديل المرسوم يمنع إسرائيل من استحضار شركات التنقيب عن الغاز في هذه المنطقة الحدودية، على اعتبار أنها متنازع عليها، وإلا نحن أمام سرقة ثروة لبنان النفطية وحرمان الأجيال المقبلة منها”.
عون وعقبة الدستور اللبناني
لا يختلف اللبنانيون فيما بينهم بشأن حقوقهم النفطية، ولا يمكن لأحد أن يكون ضد تأمين وتعزيز الحقوق في المنطقة الحدودية”، هذا ما أكد عليه وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود، إلا انه أوضح أنه وفق الدستور فإن “تعديل المرسوم” يحتاج إلى اجتماعٍ لمجلس الوزراء وإن كان في حالة تصريف الأعمال.
وشرح بارود أنه، وفق الدستور اللبناني، “هناك نوعان من المراسيم، العادية التي تستوجب فقط توقيع الوزراء المختصين ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، والمهمة التي تُتخذ بقرار من مجلس الوزراء (الحكومة) مجتمعاً”.
ولفت إلى أن “المرسوم 6433 ليس مرسوماً عادياً بل مرسوم ملحّ، وعندما صدر عام 2011 اتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً، ولذلك لا يمكن التعديل إلا بمرسوم شبيه له، تماما مثلما لا يمكن تعديل قانون إلا بقانون أو قرار إلا بقرار”.
وأوضح بارود أن “لا شيء يمنع دستورياً من أن يجتمع مجلس الوزراء لأمر مهم كهذا”، لافتاً إلى أن “اعتماد طريقة” التوقيعات الاستثنائية” للمراسيم غير منصوص عليها في الدستور، إنما هي بدعة لبنانية يتم اللجوء إليها تسهيلاً لأمور الدولة”.
إسرائيل المستفيد كالعادة
وسط هذه التطورات، كان لافتاً عدم صدور بيان أو موقف من “حزب الله” بشأن تلك التطورات، لا سيما أن الحزب يمتلك ترسانة من الأسلحة والصواريخ طالما شكلت قوة ردع ضد إسرائيل وأطماعها في الجنوب اللبناني، بحسب مراقبين.
مصدر لبناني مطلع رأى أن “حزب الله” قد يكون محرجاً بين وقوفه إلى جانب حليفه الرئيس ميشال عون من جهة، وبين مواقفه المتكررة بأنه لا يتخلى عن الحقوق عند الحدود من جهة أخرى، خصوصاً أن النزاع الحدودي مع إسرائيل يعد ورقة قوية بالنسبة إليه.
وأضاف المصدر أن “الموقف السياسي المعلن لـ “حزب الله”، سواء بهذا الملف أو غيره، هو دائماً إلى جانب ما تقرره الدولة”، مشيراً إلى أن “الحزب حالياً في حالة ترقب بانتظار حسم الأمور بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب”.
وتحتل إسرائيل جزءاً من الأراضي اللبنانية، وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وصدر قرار من مجلس الأمن عام 1978، يحث على انسحابها من جميع الأراضي اللبنانية، غير أنه لم ينفذ. كما يشكو لبنان من “خروقات” إسرائيلية متكررة بحراً وبحراً وجواً.