مخاطر الاتفاق السياسي الإطاري في السودان
زاد توقيع الاتفاق السياسي بين قائدي الجيش وشركائهما من الأحزاب حدة التوتر السياسي على المسرح السياسي، إذ قوبل هذا الاتفاق بمعارضة سياسية وشعبية كبيرة، وصنع رأياً عاماً رافضاً له في مؤسسات الدولة كافة.
في الخامس من هذا الشهر، نجحت الضغوط الخارجية في دفع بعض الفرقاء السودانيين إلى الموافقة على المشروع الأميركي الغربي القاضي بتسليم السلطة كلياً إلى بعض شركاء الخارج المحليين، وقد ترجم ذلك في موافقة قائدي الجيش والدعم السريع على مشروع الدستور الذي أعده الغرب خارج السودان، وعزز ذلك بتوقيعهما الاتفاق السياسي الإطاري مع ثلاثة أحزاب صغيرة متحالفة مع المشروع الغربي، وامتنعت أحزاب صغيرة أخرى عن التوقيع كان ينتظر أن تكون من ضمن موقعي هذا الاتفاق، وهو ما أحدث شرخاً جديداً في تحالف الحرية والتغيير، المجلس المركزي.
رفض الغرب وحلفاؤه مشاركة القوى السياسية الوازنة والقوى الاجتماعية الفاعلة في هذا الاتفاق السياسي الإطاري، وحُرمت حركات دارفور الموقعة اتفاقية جوبا للسلام المشاركةَ فيه، وبهذا فقد الاتفاق صفة التوافق الوطني وصفة الشمول، بوصفهما شرطين ضروريين لضمان الاستقرار الوطني المفضي إلى تعزيز الشراكة والوحدة الوطنية.
زاد توقيع الاتفاق السياسي بين قائدي الجيش والدعم السريع وشركائهما من الأحزاب حدة التوتر السياسي على المسرح السياسي، إذ قوبل هذا الاتفاق بمعارضة سياسية وشعبية كبيرة، وصنع رأياً عاماً رافضاً له في مؤسسات الدولة كافة، بما في ذلك المؤسسة العسكرية التي ظلت حريصة على استقلال البلاد، وعلى صون سيادتها والمحافظة على وحدتها من التصدع، وعلى هويتها من الاستهداف والتغيير.
ثمة ملاحظات جوهرية على هذا الاتفاق، أخطرها أنه مثّل أعلى درجات انتهاك السيادة والاستقلال الوطني، لكونه فرض من الخارج الذي يسهر على استكمال حلقات سيطرته على السودان الغني بالموارد والإمكانات والثروات الطبيعية من أراضٍ زراعية شديدة الخصب ومياه وفيرة، ومعادن كثيرة، وموقع جغرافي بالغ الأهمية على ساحل البحر الأحمر وفي قلب أفريقيا جعله صاحب تأثير استثنائي في التوجه الحضاري والإستراتيجي لمعظم دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، ولتاريخه التليد الذي نتجت عنه حضارة وادي النيل، ويمكن أن تسهم خفايا هذا التاريخ في تغيير كثير من المسلمات ذات الصلة بقضايا كبيرة.
أما ثاني تلك المخاطر فهي النصوص التي وردت في الإعلان السياسي والتي تحدثت عن هوية الدولة، وصيغت على نحو يفتح الأبواب أمام صناعة هوية جديدة للسودان، إذ تجنّب في بابه الأول النص على أن السودان دولة عربية أفريقية، وأن اللغة العربية هي لغة سكانه، وبالتالي هي اللغة الرسمية للدولة، وقد سعت المواد 2، و3، و5 من هذا الباب لرسم هوية مغايرة من خلال مضامين هذه البنود، علماً أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 ومشروع الدستور الغربي الذي يُراد فرضه بديلاً من الوثيقة الدستورية يحملان الخطر نفسه.
ثالث المخاطر هو جعل الأحزاب الثلاثة التي شاركت القائدين العسكريين في التوقيع، صاحبة الحق الحصري في تشكيل السلطة الانتقالية بكل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، فضلاً عن انفرادها في تأليف وقيادة المؤسسات السيادية بما في ذلك مجلسا السيادي والأمن والدفاع وتأسيس جهاز للأمن الداخلي، وإعادة هيكلة مؤسسات الخدمة العامة على نحو يجعل الدعم السريع نواةً لجيش جديد، وعلى نحو يمكّن تلك المؤسسات من تنفيذ المشروع الغربي بمضامينه النيولبرالية المعروفة.
رابع مخاطر الاتفاق تتمثّل في التخلي عن اتفاق جوبا للسلام الذي وقعه طرفا هذا الإعلان مع حركات دارفور المسلحة في جوبا عام 2020. ونصت المادة السادسة من الباب الثاني من الاتفاق على إخضاعه لمراجعة السلطة التنفيذية التي ستشكلها الأحزاب الثلاثة الموقّعة على هذا الإعلان، وقد ربطت تلك الحركات نص هذا البند برفض شركاء الاتفاق مشاركة الحركات لهما في هذا الاتفاق، وبالتالي رفضهما لوجودها في السلطة الانتقالية التي ستتشكل وفق مضامين هذا الاتفاق، ما يؤثر سلباً، وعلى نحو خطر، في مسيرة السلام والأمن والاستقرار، ليس في دارفور فحسب، إنما في الخرطوم التي تستضيف قواعد عسكرية لهذه الحركات بناءً على اتفاق جوبا الموقّع معها، وهو ما قد يفتح الباب أمام خيارات الاضطراب، وربما الحرب الأهلية.
خامس هذه المخاطر يتمثل في وضعية قوات الدعم السريع التي جعلها الاتفاق قوة موازية للجيش في مقدمة بابه الرابع، وعزّز وضعيتها الدستورية التي منحتها إياها الوثيقة الدستورية عام 2019، وعزّز هذا الاتفاق استقلالها عن الجيش حين نص على تبعيتها لرأس الدولة (المدني) دون سواها من المنظومات العسكرية الأخرى بما في ذلك الجيش والشرطة والأمن. وفي المقابل نص الاتفاق على إعادة هيكلة الجيش وتجريده من مصادر تمويله التي صانت استقلاله، وضمنت له الوفاء باحتياجاته من الأسلحة والذخائر والمهمات، ومكّنته من الاضطلاع بدوره الدستوري، تمهيداً لإضعافه وتفكيكه واستبداله بجيش آخر وفق نصوص الاتفاق ووفق خطابات شركاء هذا الاتفاق من ساسة وعسكريين.
أما سادس المخاطر فهو تمديد الفترة الانتقالية التي دخلت عامها الرابع عامين آخرين فتحها الاتفاق للتمديد، في حال عدم قدرة السلطة الانتقالية على الوفاء بمطلوبات الانتخابات وفق ما جاء في المادة التاسعة من الباب الثاني، ما يجعل الانتقال الديموقراطي أمراً صعب المنال، ويجعل رد السلطة إلى الشعب ليختار حكامه عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة حلماً دونه تحديات وصعاب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.