لبنان ..لماذا اشتعلت أزمة الديون المستحقة؟
اعترض اللبنانيون في الشهور الأخيرة من 2019، على السياسات الاقتصادية لحكومة سعد الحريري، واتهموها مع بقية مسؤولي الدولة بالفساد، وشهدت البلاد اضطرابات سياسية، انتهت بالوصول إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب.
وكان رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي اللبناني يدق ناقوس الخطر منذ بدايات 2020، بشأن ضرورة البحث عن مخرج لإعادة جدولة الديون الخارجية المستحقة على الحكومة في مارس/آذار الجاري، والمقدرة بنحو 1.2 مليار دولار.
وهذا ما تحقق في 7 مارس/آذار الجاري، حيث أعلن حسان دياب عن عجز بلاده عن سداد قيمة السندات الدولية المستحقة للدائنين في 9 مارس/آذار الجاري، وأنهم سيسعون للتفاوض مع الدائنين، لتأجيل السداد، وإعادة الجدولة.
بداية الأزمة
وحسب بيانات تقرير جمعية المصارف اللبنانية ،فإن الدَّين العام الخارجي للبلاد بلغ 91 مليار دولار، نهاية 2019، وأن السندات الحكومية، تمثل عصب هذا الدين بنسبة تصل إلى 94%، وهو الأمر الذي يجعل التفاوض أمرا صعبا، فالدين عبر اليوروبوند، يتم من خلال أسواق المال وبعيدا عن آليات الاتفاقيات الثنائية مع الحكومات أو المؤسسات المالية الدولية.
يمكن قراءة ما تم في لبنان بالإعلان عن عجزها عن سداد مستحقات الدائنين للحكومة، عبر آلية السندات الدولية، نتيجة لعدة أمور، على رأسها إهمال القضية منذ سنوات، واعتماد الحكومات المتعاقبة على الاستدانة من الخارج، لتمويل إنفاقها الجاري بالموازنة العامة للدولة، والتي ظلت على مدار الفترة (2005 – 2015) مجمدة، ولا تناقش أو تعتمد من قبل البرلمان.
وفي ظل إهمال البرلمان للمحاسبة بشأن الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، وقيمة وحجم الدين الخارجي بشكل خاص، على مدار الفترة من 2005 وحتى الآن، تفاقمت الأزمة.
ففي عام 2005 كانت قيمة الدين الخارجي للبنان بحدود 22.7 مليار دولار، وذلك وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.
كما أن الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد في أواخر 2019، أدت إلى أزمة ثقة في الجهاز المصرفي اللبناني، واتجه اللبنانيون لسحب جزء كبير من ودائعهم من المصارف، سواء كانت بالعملة المحلية أو الدولار.
كما اتجه الجميع “للدولرة”، مما أدى إلى خفض كبير في قيمة العملة المحلية، ليصل سعر الدولار أعلى من ألفي ليرة في السوق الموازية (بينما كان سعر الدولار قبل الأزمة 1500 ليرة)، فضلا عن لجوء مؤسسات محلية للإعلان عن وقف تعاملاتها بالعملة المحلية، وقبول العملات الأجنبية فقط.
ومما زاد من أزمة النقد الأجنبي بلبنان، خروج أموال اللبنانيين للخارج، وذلك وفق تصريحات لحاكم المصرف المركزي، أشارت إلى خروج مليار دولار من لبنان خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول 2019، بينما يوجه البعض اتهامات لسياسيي لبنان بأنهم أخرجوا أموالهم من لبنان خلال الازمة، وهو ما أدى إلى تفاقم الأمور، داخل المصارف اللبنانية.
استدامة الدين
تنم طريقة السياسيين والاقتصاديين في المنطقة العربية مع قضية الدين -وفق قاعدة استدامة الدين التي يروج لها صندوق النقد الدولي- عن ضيق أفق، وغياب إستراتيجية للتنمية وذلك بحسب تقرير للجزيرة نت.
فاستدامة الدين تعني، أن البلد طالما كان قادرا على سداد أعباء الدين من أقساط وفوائد، دون أن يطلب تأجيل السداد، أو يتوقف عن السداد، فإنه يتمتع بوضع مالي يسمح له بالاستمرار في الاعتماد على الدين للتمويل.
ومن هنا سقطت لبنان كما سقطت غيرها من الدول في دوامة الديون، ويكون المخرج، بمزيد من الديون، وهو الفخ الذي على ما يبدو ستلجأ إليه الحكومة اللبنانية، ولكنها ستكون أمام تحد قاس، من خلال المواجهات مع الشارع اللبناني، الذي سيرفض الإجراءات التقشفية، والتبعات الاجتماعية السلبية التي ستنتج عن أي اتفاق مع البنك والصندوق الدوليين.
وفي أواخر فبراير/شباط الماضي، أصدرت وكالة “ستاندرد أند بورز” تصنيفا ائتمانيا سالبا بحق لبنان، عند (سي سي) مع نظرة مستقبلية سالبة، بعد أن كان (سي سي سي)، وهو ما يعني أن لبنان حال تفكيره في الاقتراض من الخارج، سوف يعاني مشكلات كبيرة، على رأسها ارتفاع تكلفة التمويل، وهو ما لا يتناسب مع الأوضاع المالية المتأزمة هناك.