هل يتكرر سيناريو حكومة الوفاق مع الدبيبة، وأيّ مصير ينتظر ليبيا؟
تشكلت لدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة قناعة بأن هناك من يسعى لإشعال فتيل الحرب مرة أخرى، وذلك عقب منع قوات خليفة حفتر له من دخول مدينتي سرت (وسط) وبنغازي (شرق).. إلا بشروط.
وأدى ذلك إلى تصاعد الخلاف بين الدبيبة وحفتر، مع إصرار الأخير على تجاهل سلطة المجلس الرئاسي، الذي يمثل القائد الأعلى للجيش، وأيضاً السلطة المالية لوزارة الدفاع التي يتولاها رئيس حكومة الوحدة ذاته.
فخلال لقائه أعيان ونواب منطقة تاجوراء، الضاحية الشرقية للعاصمة طرابلس، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية: “لم نستطع دخول سرت، التي هي أرض ليبية بسبب المرتزقة الأجانب، وقد طُلب منا زيارة المدينة براً لكننا رفضنا ذلك، وسيادة ليبيا فوق الجميع“.
وليست فقط سرت، التي مُنع الدبيبة من النزول في مطارها، فكذلك مطار بنينة في بنغازي، حيث مَنعت ميليشيات حفتر عناصر حماية ومراسم الحكومة من دخوله، ما أجبر الدبيبة على إلغاء زيارة بنغازي.
انقطاع شعرة معاوية
عملياً، أصبح نشاط الدبيبة محصوراً في المنطقة الغربية دون أن يشمل المنطقتين الشرقية والجنوبية، باستثناء مدينة طبرق والبلدات المحيطة بها، والواقعة تحت نفوذ عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، المدعوم من قبائل المنطقة وعلى رأسها العبيدات.
وهذا الوضع لا يتوافق مع تصريحات الدبيبة السابقة، عند اختياره لتشكيل حكومة الوحدة، حيث صرح في فبراير/شباط 2021، ومن طبرق (شرق) بأنه لن يقبل “أي مرشح (لمنصب وزير) لا يستطيع العمل في أنحاء البلاد”.
لكن اليوم، أصبحت الحكومة برمتها غير قادرة على العمل في شرق البلاد وجنوبها إلا بموافقة حفتر، الذي يسعى لإضعافها وابتزازها، بل وإخضاعها كما فعل مع حكومة “عبدالله الثني” المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق) ومع مجلس نواب طبرق.
وعندما تصدر قوات حفتر بياناً تعلن فيه أنه لا يربطها بحكومة الوحدة أي رابط “سواء خدمي أو سيادي وحتى على مستوى التواصل”، فهذ يعني أنها قطعت شعرة معاوية مع السلطة التنفيذية الجديدة، وتملصت من تعهدها بالخضوع لسلطة المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش.
الذي رفض زيارة حفتر في مكتبه ببنغازي، والخضوع لبروتوكولاته مثلما حدث مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أو مع نائب رئيس الحكومة حسين القطراني.
المنفي يحاول إنقاذ سمعة حكومة الوحدة
منع قوات حفتر للدبيبة من دخول سرت وبنغازي، وما قد يوحي ذلك بعزل المنطقة الشرقية والجنوبية عن سلطة الحكومة، وعودة لتكريس الانقسام، دفع رئيس المجلس الرئاسي للتحرك بسرعة لإنقاذ الموقف.
حيث توجه المنفي إلى سرت، الخاضعة لسيطرة قوات حفتر ومرتزقة فاغنر، واجتمع مع لجنة 5+5 العسكرية المكلفة بتوحيد الجيش.
ثم طار إلى مسقط رأسه في طبرق، بأقصى الشرق، رفقة نائبه موسى الكوني (من الجنوب)، لتهدئة الأوضاع بين حكومة الوحدة وحفتر، عبر وسطاء وأعيان المنطقة، بحسب إعلام محلي.
وفي الوقت ذاته زار حفتر عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، في طبرق، ويبدو أن هذا اللقاء مهدّ لاجتماع حفتر مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الكوني، والمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش.
حيث يسعى المنفي لتحقيق المصالحة بين حفتر والمنطقة الغربية، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وتجنيب البلاد حرباً جديدة، وتسهيل عملية التحضير للانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
بينما يرغب حفتر في الحصول على مزيد من الامتيازات والتنازلات من المجلس الرئاسي والحكومة، لكن هدفه الرئيسي والواضح الهيمنة على مقاليد السلطة في البلاد، إما بالقوة العسكرية أو بالمناورة السياسية والفوز بالرئاسة.
الدول الداعمة لحفتر تدفعه للحرب
المناورات العسكرية التي نظمتها قوات حفتر في جنوب بنغازي، بدون استشارة المجلس الرئاسي، واستمرار انتشار مرتزقة فاغنر والجنجويد في سرت والجفرة، وتواصل حفر الخنادق بين المحافظتين، وحركة الطائرات المدنية والعسكرية الأجنبية التي تحمل معدات عسكرية أو مرتزقة إلى قواعد عسكرية في ليبيا.. كلها مؤشرات على أن قوات حفتر تستعد للحرب أكثر مما ترغب في السلام وتوحيد الجيش.
غير أن هجوم حفتر على طرابلس، في المرحلة الحالية مازال مستبعداً، بعد هزيمته القاسية في يونيو/حزيران 2020، وفقدانه قاعدة الوطية الاستراتيجية (غرب).
كما أن استمرار الدعم التركي لحكومة الوحدة، من شأنه إجهاض أي هجوم جديد لحفتر حتى ولو بدعم روسي وإماراتي ومصري، إلا إذا نجحت المؤامرات الداخلية والخارجية في إلغاء الاتفاقيتين الأمنية والبحرية مع أنقرة، وانسحاب المستشارين العسكريين الأتراك من ليبيا.
إذ يسعى حفتر والدول الداعمة له لإفساد العلاقة بين أنقرة وطرابلس، ليستطيعوا بعدها الاستفراد بحكومة الوحدة، والسيطرة عليها، أو إسقاطها سياسياً أو عسكرياً.
ونشر الجيش الليبي قائمة تفصيلية لـ67 رحلة لطيران أجنحة الشام السورية التي تنقل المرتزقة من قاعدة حميم الروسية في سوريا إلى قوات حفتر، منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إلى غاية 30 أبريل/نيسان 2021.
واستمرار نقل مرتزقة فاغنر متعددي الجنسيات إلى القواعد العسكرية الخاضعة لسيطرة حفتر، يؤكد أنه ليس في نيتها الانسحاب قريباً من ليبيا، رغم إعلان الكونغرس الأمريكي أن روسيا وافقت على سحب مرتزقتها من البلاد.
ويشكل إخفاق لجنة 5+5 العسكرية المشتركة في إخراج المرتزقة خاصة من سرت والجفرة، تهديداً للعملية السياسية برمتها، وعلى رأسها توحيد المؤسسة العسكرية وإجراء الانتخابات في موعدها.
فليبيا أصبحت جزءاً من استراتيجية أكبر لروسيا في مواجهة حلف شمال الأطلسي “ناتو”، تجلى ذلك في الأزمة الأوكرانية الأخيرة، عندما أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قطعتين بحريتين إلى البحر الأسود بالتزامن مع حشود روسية قرب الحدود الأوكرانية، فردت موسكو بتحليق طائرات حربية في سماء جنوب ليبيا، التي تعد الجناح الجنابي للناتو.
وهذا ما حذر منه السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، عندما اعتبر أن “وجود فاغنر والأسلحة المتطورة التي يجلبونها يمكن أن يؤدي إلى احتمال نشوء تنافس استراتيجي على الجهة الجنوبية لحلف الناتو”.
وروسيا تسعى أيضاً للتوغل في القارة الإفريقية ومزاحمة النفوذ الفرنسي انطلاقاً من جنوب ليبيا، فتحرك أرتال من المتمردين التشاديين الذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع حفتر وفاغنر، وسيطرتهم على شمال تشاد، يؤشر إلى أن موسكو تستثمر في أزمات المنطقة، بحسب السفير الأمريكي.
فبالتزامن مع توتر الأوضاع في شمال تشاد، أرسلت قوات حفتر رتلاً مسلحاً قوامه 62 آلية مسلحة، و3 شاحنات محملة بالذخيرة، ومنظومتي دفاع جوي من نوع “بانتسير”.
لذلك فإبقاء الوضع في ليبيا متوتراً وساخناً يخدم مصالح موسكو الاستراتيجية سواء جنوب البحر الأبيض المتوسط أو في وسط القارة الإفريقية.