سنمار سورية الإخباري- الحكومة وخطر فراغها على السوريين
ما يمرّ به السوريّون قاسٍ جدّاً، وهو خطيرٌ على عناوين هامة وكبيرة في حياتهم، وعلى مستويات عدّة، وهذه القساوة وتلك الخطورة، لا تُختصران، أو تتركّزان، في آلام وأوجاع معيشة السوريين اليوميّة، كما يتصوّر كثيرون، لكنّ المسألة تتعدّى ذلك بكثير..
-إنّ شعبنا العظيم قدّم تضحياتٍ كبيرةً، وتحمّل آلاماً وأوجاعاً، وعانى ما عاناه، من قتلٍ ونهبٍ وتشريدٍ وجوع، وهذا كلّه لا يعيبه، ولو ترك آثاراً كبيرة في روحه وحياته ووجوده ومستقبله..
-كلّ شعوب الأرض قدّمت تضحياتٍ في الماضي والحاضر، وخرجت من ملحقات وتبعات هذه التضحيات، وبنت مستقبلها وواجهت الدنيا بكلّ كفاءة واقتدار، ومن هذه الشعوب شعبنا، من أجدادٍ لنا صنعوا لنا أوطاناً جديرة بالاحترام، رغم التضحيات والشهداء والآلام والجوع الذي عانوه، في مراحل سابقة من حياة هذه الأمّة..
-لكنّ الخطورة التي نتحدّث عنها اليوم، في ظلّ عدوانٍ متطوّر جدّاً، أنّنا فقدنا حضورنا كدولة بين جمهورنا، فقدنا الرواية المقنعة التي تجعل الجمهور من جهة يقتنعُ بها، ومن جهة أخرى يُدافع عنها..
-ليس صحيحاً أنّ السوريين لن يصبروا على جوع، ولن يصبروا على معاناة، ولن يصبروا على عَوَزٍ، هذا ليس صحيحاً أبداً، فالسوريّون هؤلاء أضافوا صفحة ناصعة حرّة كريمةً إلى تاريخ حريّة وصمود وتضحيات الشعوب، عندما صدّوا بأرواحهم وأجسادهم أشرس عدوانٍ شهدته البشرية عبر التاريخ..
-لكنّه ليس مقبولاً على الإطلاق أن يُتركَ المواطنُ السوريّ، من دون حضور رواية الدولة، في جميع العناوين التي تُفرض عليه، والتي تطارده وتطارد أمنه واستقراره وقوت يومه..
-ليس مقبولاً، لا أخلاقيّاً ولا وطنيّاً ولا دستوريّاً، أن يُترك المواطن السوريّ، في مواجهة هذا “التسوناميّ” الذي يهدّد حاضره ومستقبله، دون أن يكون حضورٌ للدولة، هذا الحضور من أجل الإمساك بوجدان المواطنين، وترتيب وعيهم الجمعيّ وفق رواية الدولة، هذه الرواية التي ستساهم أخيراً في تثبيت ضمائر المواطنين، من خلال وضعهم بتفاصيل دقيقة وحقيقيّة لما تواجهه الدولة، وما تفعله الدولة أيضاً، في مواجهة هذا العدوان الكبير على مفردات حياة السوريين وتفاصيلها..
-إنّ حضور الدولة، وتقديم روايتها للسوريين، خاصة في التحديات والحاجات المفروضة على تفاصيل عيشهم وقوت يومهم، من قبل أفرادٍ يمثّلون مؤسّسات دستوريّة، مسؤوليّةُ هذه المؤسّسات الدستوريّة، نؤكّد الدستوريّة، تأمين أولويات حياة السوريين اليوميّة، من طعامٍ وتعليم وصحةٍ وخدمات، وتقديم الروايّة الحقيقيّة عن أيّ تقصيرٍ في تأمين عنوانٍ من هذه العناوين، سوف يعطي السوريين متانة التصدّي، والثقة بالدولة ومؤسساتها، ويدفعهم للشراكة الحقيقيّة مع الدولة ومؤسّساتها، بدلاً من هزيمتهم المعنوية الكبيرة، أمام غياب هذه المؤسسات المسؤولة من جهة، وقلقهم وذعرهم أمام تحديات حاجاتهم المعيشيّة، التي فرضها العدوان من جهة أخرى..
-لا يُترك المواطنُ تائهاً وضائعاً يتلقّطُ كلمةً من هنا، وكلمة من هناك، حول هذا العنوان أو ذاك العنوان، هذا أمرٌ خطيرٌ جدّاً، وهو أكثر خطورة على المواطنين من الضائقة المعيشيّة ذاتها، فالضائقة المعيشيّة تُنسى بعد زمن، لكنّ تبعات الفراغ الذي تُرك فيه المواطن، في مواجهة هذه الضائقة، سيكون له ارتدات ومسقطات خطيرة، لجهة معنى شعوره لاحقاً بهذه المواطنة!!..
-شعبنا العظيم واجه أقسى ممّا يواجهه الآن، عندما قدّم الدماء والتضحيات، وواجه النهب والسلب والتشريد، لكنّه ظلّ وفيّاً لمعنى وطنيّته ومواطنيّته، لماذا، لأنّنا استطعنا أن نقدّم له الرواية، في مرحلة سابقة من مراحل العدوان، لم نتركه تائهاً وضائعاً، كنّا أمَامه في تقديم رواية العدوان السياسيّ والثقافيّ والعسكريّ والأمنيّ، والإيمان بها والتضحية في سبيلها، فلم يتردّد عندها في التماهي المطلق مع مواطنيّته ووطنيّته..
-مطلوبٌ من الحكومة، وتحديداً مؤسّساتها المسؤولة، الحضور بين المواطنين، للعيش معهم تفاصيل ما يعانونه، وتفاصيل ما يحتاجون تفسيراً له، مطلوبٌ من الحكومة ألّا تعطي ظهرها لمواطنيها، ولا يكفي أن تقول بأنّها الحرب، وكفى، ولا يكفي أن تعتمد على معرفة المواطن ووطنيّته، باعتبار أنّ القسم الأهم والأخطر من هذه الحرب، هي جبهة العدوان على مواطنيّة المواطن ووطنيّته، فلذلك واجب وطنيّ وأخلاقيّ أن تشتبك المؤسّسات المسؤولة على هذه الجبهة، إعلاميّاً، ولا تنسحب منها، أو تتركها فارغة وبدون مقاومة..
-اخرجوا إلى الناس، لا تخافوهم، ولا تستصغروهم، ولا تتركوهم، لاعلام العدوان عليهم، ولا تعوّلوا على فطنة وذكاء ونباهة ومعرفة المواطنين، فهي جميعها موجودة وحاضرة وعالية، خاصة عند السوريين، لكنّها لا تكفي في مثل هذه الحروب وهذه المعارك!!..
-اخرجوا إلى الناس، قدّموا روايتكم، هذه مسؤولياتكم وهذا دوركم، سلّموهم العنوان، قدّموا لهم سرّكم فهم شركاؤكم، لا بل هم أساس وجودكم في هذه المواقع وهذه الأدوار، ليس مقبولاً أن تتركوهم لمصيرهم، الذي يعتقدونه، وليس مقبولاً أن تتخلّوا عنهم، أو كما يعتقدون، املؤوا الشاشات، شكّلوا أكثر من فريق خبراء اقتصاد واعلام، فالامكانيات كلّ الإمكانيات، دستوريّاً وقانونيّاً، بين أيديكم، ولا يمكن أن تكون إلّا بين أيديكم..
-يا حكومتنا الكريمة، يا مؤسّساتنا الدستوريّة المعنيّة، لا تُدار هذه المعارك بهذه الطريقة، ولا يكون النصر بهذه الجبهات نصراً إذا لم تستطيعوا ان تجعلوا المواطن جزء من فريق معارككم..
-يا حكومتنا الكريمة، يا مؤسّساتنا المعنية، لا تقولوا لنا ماذا قلتم للجمهور، ولا تقولوا لنا “بأنّنا لفتنا انتباه المواطنين”، قولوا لنا ماذا علق في ذهن الجمهور، وقولوا لنا كم من المواطنين استطعتم أن تجعلوهم يدافعون عن روايتكم؟!!!..
-اشرحوا للسوريين تفاصيل التفاصيل، شاركوهم معكم في مفردات المعركة، انتخوهم، فالسوريّون لا تذلّهم حاجةٌ أو جوعٌ أو ألمٌ، ولكن تقهرهم اللامبلاة والجهل والآذان الصمّاء والعيون المغمضة..
-لا يكفي أن نقول بأنّ هناك احتلالاً، وآبار نفط وغاز مسروقة ومنهوبة ومحتلّة، ولا يكفي أن نقول بأنّ هناك بنى تحتيّة دمّرها العدوان، وهناك مدارس ومشافي وجسور وطرقات ومدناً بكاملها، دمرتها الحرب، وكفى، ثمّ ننام دهراً عن الجمهور وعن مواطننا..
-جبهة الإعلام الاقتصاديّ، وجبهة إعلام حاجات ومعيشة حياة السوريين، لا تُدار بهذه الطريقة، فروايتكم، ويجب أن تكون لكم رواية، تريدون إيصالها للمواطنين، لا يتبناها إعلاميّ اقتصاديّ واحد، ولا يوجد إعلاميّ اختصاصيّ واحدٌ إلّا ويغمز من قناتكم، حتّى من خلال وسائل الإعلام السوريّ، أو على وسائل التواصل الاجتماعيّ، فالجميع يشكّكون بما تفعلون، والجميع يحاولون أن يلفتوا انتباهكم إلى أخطاء يرونها عندكم، وهنا بالضبط ضاع مواطننا، وفقد الحبل السرّي للثقة بينه وبينكم..
-غريبٌ أمركم، غريب جدّاً، هل من المعقول أن تتراجع العملة الوطنيّة أمام العملات الأخرى، بهذا التراجع الكبير، ولا يخرج منكم فريقٌ يشرح للسوريين، حقيقة هذا التراجع، وهل من المعقول أن يتناهب السوق هذا الغلاء الفاحش، ولا يخرج منكم فريقٌ يشرح للسوريين، عن أصل هذا الغلاء، ويقول لهم ما هي أسبابه، وما هو سقفه، وما هي الخطوات التي تفكّر بها المؤسّسات المعنية، لتجاوزه أو الحدّ منه؟!!..
-هل من المعقول أن يكون السوق في مجمله عالقاً بسعر الصرف المخيف، وأنتم ما زلتم حريصين على ألّا يتم ذكر مفردة “الدولار”، والسوق كلّه مربوط بسعر الصرف، حتى قرص الفلافل وكيلو البصل وكيلو اللبن، أضحت كلّها مربوطةً “بالدولار”، وأنتم ما زلتم متمسّكين بحرفيّة ألّا يُذكر هذا “الأخضر” اللعين؟!!..
-المرسوم الكريم للسيد رئيس الجمهوريّة بخصوص “الدولار”، منذ فترة زمنيّة، لم يكن في روحه نصٌّ يمنعكم من الخروج على السوريين، كي تشرحوا لهم تفاصيل ما يحصل، وحقيقة ضعف الدولة أو قوتها، في ظلّ تراجع قيمة عملتها الوطنيّة أمام “الدولار”!!!..
-أين الوزارات المعنية، أين المؤسسات المسؤولة، أين حاكم مصرف سورية المركزيّ، أين خبراء الاقتصاد، أين أساتذة الاقتصاد، أين هؤلاء جميعاً، أين هم؟!!!..
-ماذا تنتظرون، هل تنتظرون من السيد رئيس الجمهوريّة أنّ يخرج على السوريين، كي يشرح لهم، عن أسباب ارتفاع سعر الخبز والسكر والرز والسمنة والزيت والبنزين والمازوت، وعن البواخر التي وصلت، والتي تأخرت، والتي لم تستطع أن تصل، والتي صُودرت، وعن القمح الذي سُرق والذي هُرّب وبيع في دول الجوار، وعن القمح الذي سرقه حمير “الثورة”، والزرع الذي أشعل فيه جرذان “الثورة” نيران خسّتهم ونذالتهم وخيانتهم، بتوجيهٍ مباشر من أطراف العدوان، وعن أسباب قلق العملة الوطنيّة، وتراجعها أمام العملات الأخرى، وعن، وعن؟!!..
-إنّ غيابكم الخطير عن المواطنين، وعدم التواصل معهم والتعبير عن احترام آلامهم وأوجاعهم، والانخراط معهم في تفاصيل ما يشعرون به، وإشراكهم في المعركة التي تخوضها هذه المؤسسات، سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام السوريين، كي يشكّكوا بكم، أي بالدولة، ويفقدوا الثقة بكم، أي بالدولة، ويحقدوا عليكم، أي على الدولة!!..
-عندما لا تستطيعون تقديم روايتكم وترسيخها في وعي السوريين الجمعيّ، فهناك من يحضّر روايته، ويعمل عليها ليلاً نهاراً، وهي رواية العدوان وأدواته، هذه الرواية التي سوف تحمّلكم مسؤولية حصار السوريين وتجويعهم والنيل منهم، وهي الرواية التي ستجعل منكم حكومة فاسدة وفاشلة في أذهان كثيرٍ من السوريين!!..
-انتبهواااا..
لن يبقى العنوان الاقتصاديّ اقتصاديّاً، ولا العنوان المعيشيّ معيشيّاً، وإنّما ستُصرف هذه العناوين كلّها في عناوين سياسيّة أخرى، وسوف تكون لها منعكسات وطنيّة حادة، على روح العقد الإجتماعي في جسم المواطنة ذاتها، وعلى عناوين دستوريّة وطنيّة جامعة، ولن يكون النصر مفيداً، كلّ الفائدة التي نؤمن بها، ونتطلع إليها، ويتمناها السوريّون..
المصدر: سنمار سورية الإخباري