تحالف التيارات الإسلامية…التوقيت والظروف المحيطة عوامل حاسمة أدت إلى ارتفاع صوت الإسلاميين بعد صمت مهيب
في تطور سياسي جديد شهدت الساحة السياسية السودانية توقيع “8” تنظيمات سياسية على وثيقة تأسيس لتحالف جديد تحت مسمى “التيار الإسلامي العريض”، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها.
ويضم الكيان الجديد الحركة الإسلامية السودانية(الحاضنة السياسية لنظام البشير)، جماعة الإخوان المسلمين ،حركة الإصلاح الآن التي يتزعمها مستشار البشير الأسبق ، الدكتور غازي صلاح الدين العتباني ، حزب دولة القانون والتنمية بزعامة الدكتور محمد علي الجزولي، منبر السلام العادل، حركة المستقبل للإصلاح والتنمية، وحزب العدالة القومي بزعامة المحامي أمين بناني.
، واستبقت التيارات الموقعة على هذا التحالف الوليد مشاركة الآلاف من أنصارها في حفل إفطار بمناسبة ذكرى غزوة بدر الكبرى، في العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات.
وجاء في الميثاق، أن “وحدة الصف الإسلامي فريضة شرعية وضرورة واقعية وواجب متحتم لا سيما وبلادنا تشهد تهديدا وجوديا جديا يستهدف هويتها وقيمها الفاضلة بالطمس والتجريف”.
وتابع الميثاق “من الأهداف التي نستشرفها من هذا الاصطفاف الحرص على تنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة في شؤون المعاش والمعاد في شمول وتكامل”.
وأضاف أن هذا الإعلان مفتوح أمام كل طرف أو جهة تجد في نفسها توافقا معه أو استئناسا بما ورد فيه من معان، بل إنه شأن كل عمل يجتهد فيه الناس سيظل متاحا لتقويمه ولتعديله بالحذف والإضافة.
بعد سقوط نظام البشير وجدت التيارات الإسلامية ولاسيما الحركة الإسلامية السودانية نفسها مستهدفة من قبل التيار اليساري الذي هيمن على المشهد بعد نجاح ثورة ديسمبر، طبقاً لذلك انزوت التيارات الإسلامية والتزمت الصمت وجلست على الرصيف تراقب المشهد إلى أن وجدت فينفسها قوة لمواجهة ما تعتبره استهداف اليسار لبقائها…
ولاشك أن تكوين هذا الكيان الجديد الذي يضم ثماني فصائل اسلامية يعبر عن الإستعداد والتصدي لمواجهة المد اليساري، ولعل أمين حسن عمر ممثل الحركة الإسلامية كان اكثر دقة في تحديد هدف الكيان الجديد حيث قال: ( إن هدف الكيان مواجهة الحملات ضد الإسلاميين والإسلام).
قبل سقوط نظام المؤتمر الوطني كانت كلمة السر في إسقاط النظام هي “الفساد” حيث تشكل رأياً عاماً في الشارع السوداني بأن نظام المؤتمر الوطني كان الأكثر فساداً في المنطقة، وقادت الصحف السودانية حملة بارعة كشفت صور مريعة من صور الفساد، وتزامن ذلك مع تقارير عالمية وضعت السودان في قائمة الدول الأكثر فساداً، كما تضمن الحملات ضد فساد الإنقاذ شهادة من مؤسسي الحركة الإسلامية السودانية مثل شيخ صادق عبد الله عبد الماجد، والدكتور حسن الترابي…
وبعد سقوط النظام في 11 إبريل 2019 كانت كلمة السر التي حملت الإسلاميين على الصمت هي أيضاً عبارة (الفساد) وتحت هذا العنوان نشطت الحملات الإعلامية لمحاكمة الإسلاميين على فساد ظاهر عجزت أجهزة العدل في حكومة الثورة عن إثباته وتقديم المشتبه بهم للمحاكمة مما أظهر عجز حكومة الثورة … هذا العجز أعطى الإسلاميين مساحة واسعة للتمدد والخروج من حالة التخندق والصمت ورفع الصوت..
من العوامل الحاسمة في رفع صوت الإسلاميين والتحرك في مساحات واسعة هو فشل حكومة حمدوك في معالجة الإوضاع الإقتصادية، والتدهور المريع الذي اصاب الحياة في السودان بالفشل التام والإستمرار في تدهور الأحوال المعيشية وغلاء الأسعار، مما أوجد مساحات واسعة للمقارنة بين عهد البشير والأوضاع الحالية وهي أمور أقنعت الكثير من عامة الناس ولاسيما البسطاء، هذا بالإضافة إلى تدهور الحالة الأمنية والإنفلات الأمني الذي لم يسبق له مثيل، كل هذه العوامل حفزت الإسلاميين لرفع أصواتهم وتوحيد صفوفهم خاصة وأنهم يرون حقبتهم الأفضل حالاً عندما يقارنها بالأوضاع الحالية.
إنقلاب 25 أكتوبر:
العامل الحاسم في ظهور الإسلاميين على هذه الشاكلة هو إنقلاب 25 أكتوبر والذي شكل أكبر حافز للإسلاميين ، ونقلهم من مرحلة الظهور والتحدي إلى مرحلة التفكير في العودة للحكم سواء عن طريق صناديق الإقتراع أو عن طريق الأبواب السرية…
ويرى أكثر من مراقب سياسي أن إنقلاب 25 أكتوبر كان بمثابة بارقة أمل بالنسبة للإسلاميين إذ عزز في نفوسهم أحلام العودة للحكم ، كما أن الإجراءات التي اعقبت 25 أكتوبر كانت بمثابة الفتح الأكبر للإسلاميين حيث أزاحت من أمامهم أكبر أعدائهم الألداء وهم أعضاء لجنة تفكيك النظام التي شكلت (بعبعاً) مرعباً لكل الإسلاميين دون استثناء.
بإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الإعتبار الظروف التي تشكل فيها هذا الكيان الجديد للإسلاميين يدرك المراقب السياسي أن نقطة الإلتقاء في تكوين تحالف التيارات الإسلامية الجديد هي الدفاع عن النفس في مواجهة التيار اليساري الذي كان قد هيمن على السلطة وبدا في استخدامها كسلاح لتصفية الحسابات الخاصة مع الإسلاميين، ولذلك يمكن القول أن التحالف الجديد للإسلاميين هو منصة للدفاع عن الوجود أولا ، وتجميع الصفوف والتقاط الأنفاس بهدف استعادة للسلطة مرة أخرى، وهذا يبدو الآن ممكناً في ظل الأوضاع والمناخات التي شكلها إنقلاب 25 اكتوبر، وسواء أكانت عودة بالباب عن طريق صناديق الإقتراع إذا ألغت المحكمة العليا قرار حل حزب المؤتمر الوطني، أو العودة عن طريق الأبواب السرية كما هو حادث الآن في توظيف بعض كوادر المؤتمر الوطني الظاهرين والمستترين.