حقيقة استعادة الإمبراطورية العثمانية عن طريق النظام التركي
تردد في الآونة الأخيرة بشكل مكثف مقولة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى إعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد بعد أن طوى التاريخ هيمنة نظام امتدت أرجاؤه في الشرق والغرب، من آسيا الصغرى إلى القارة الأوروبية وشمال إفريقيا، وأنها بصدد ابتلاع دول المنطقة .
الحقيقة تقول:
يرى بعض السياسيين بأن قيام الإمبراطورية العثمانية من جديد ما هو إلا محض أوهام تعبر عن انفصال قائلها عن الواقع والعصر الحديث .
فحتى لو سلمنا لنظرة أستاذ العلوم السياسية وأحد رواد القرن العشرين في السياسة الدولية “هانس مورغانتو” بأن جميع الدول ذات فطرة تحاول السيطرة على بعضها البعض، فإن صورة التوسعات الجغرافية بقوة السلاح تكاد تكون قد تلاشت .
وهي الصورة التي أدرك المستعمر في الدول المختلفة بأنها ليست ذات جدوى في نهاية الأمر، وحل مكانها الغزو الثقافي والفكري وتقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية والاستثمارات خارج الحدود، واستخدام القوة الناعمة في التأثير على الشعوب الأخرى التي تقع تحت سيطرة الشعوب الأكبر منها .
وتبقى حقيقة أن جمهورية تركيا تستعيد الإمبراطورية العثمانية يستلزم أن تتمدد تركيا جغرافيا، وهذا محال في ظل هذه الشبكة المعقدة من الحسابات الدولية والتكتلات والتحالفات، في حين أن تركيا تصدر ثقافتها وتتوسع في علاقاتها وثنائياتها في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، بما يغنيها عن التوسع الأفقي خارج حدودها المتعارف عليها .
ومن الغريب أنها تهمة لصيقة بأية تحركات تركية في المنطقة تنطلق من تعسف متعمد، وإلا فأين الدليل من الواقع على رغبة الأتراك في إعادة الفتوحات العثمانية مرة أخرى كما يقال ؟
التدخل العسكري في سوريا
لقد جاء التدخل التركي في سوريا بعد طول صبر ونداءات متكررة بالتدخل لمنع خطر تقدم القوات السورية التابعة لنظام الرئيس بشار الأسد“، والذي يقوم بالعمليات المختلفة ضد المصالح التركية .
ولا شك في أن هذا الأمر يقلق الحكومة والمسؤولين التركيين بشكل كبير، لا سيما وأن النداءات الداخلية في تركيا تدخلت في أكثر من مرة لعدم الاشتباك مع القوات السورية المتواجدة في الحدود مع تركيا في منقطة إدلب .
واستفحل الأمر كثيراً في الأسابيع القليلة الماضية حيث تم قتل العديد من الجنود التركيين في إدلب بجانب فقد العديد من جنود الأسد جراء التحييد الذي تمارسه القوات التركية كردود فعل لما يحدث للجنود التركيين في سوريا .
التدخل التركي في ليبيا
التدخل التركي يتمثل في دعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا ضد الجنرال المتقاعد المنشق خليفة حفتر، وذلك تحت غطاء شرعي وهو الاتفاقية التي تمت رسميا بين الجانب التركي وجانب حكومة السراج .
وكانت الاتفاقية قد تضمنت مذكرتي تفاهم، الأولى تتعلق بترسيم الحدود البحرية بينهما في المتوسط، والثانية تتعلق بالتعاون العسكري وتقضي بإرسال قوات تركية لدعم الحكومة حال طلبت هي ذلك، وقد كان .
ادعاءات ليس إلا
ومن الواضح فإنه ليس هناك حقيقة عن أن الأتراك يسعون لإعادة المجد العثماني بالتوغل في الدول عن طريق التنفذ الاقتصادي والسياسي والغزو الثقافي، وهذا من أغرب القول، فإنه ما من دولة إلا وتسعى لتصدير ثقافتها، وتحقق الاستفادة القصوى على كافة الأصعدة من خلال إيجاد موطئ قدم لها في الدول الأخرى .
وبطبيعة الحال فإن جميع دول العالم تعمل على استمالة حلفاء لها لتأييد مواقفها الدولية، فلم تأت تركيا بجديد، وهذا أمر مشروع طالما كان نائيا عن الإضرار بالآخرين، وكل ذلك يدور في فلك تقاطع المصالح .
لا شك أن القيادة التركية تعمل جاهدة على إحياء التراث العثماني، وربط الأتراك بأمجاد ماضيهم، وهذا واضح جلي حتى في الأعمال الدرامية التي تشجعها الدولة والتي تتناول الحقب التاريخية للعثمانيين .
ويعتبر الهدف من ذلك هو إيجاد فكرة مركزية للنهضة الحديثة التي بدأتها حكومة العدالة والتنمية منذ توليها شؤون البلاد، فإنه ما من مشروع نهضوي إلا ولابد له من فكرة مركزية يجتمع عليها الناس، تنطلق من هويته الثقافية الأصيلة كما قرر علماء الاجتماع .
لذا نستطيع القول أن استدعاء الأتراك للماضي العثماني هو دعامة أساسية من دعائم نهضتهم، يستنهض هممهم، ويأخذ بأيديهم إلى القيم الأصيلة البنّاءة، وأما القول بأن هناك مشروعًا توسعيا يعملون عليه فهو مجرد ادعاءات لا يستقيم لها بُرهان ولا ينهض لها دليل على ألارض الواقع .