هل سيعيد التاريخ نفسه وتلقى ميانمار نفس مصير سوريا؟
بعد 10 سنوات من الحرب في سوريا، أخفق الغرب في اتخاذ موقف حاسم، ومات 500 ألف سوري أو أكثر، ونزح 13.3 مليون، وعمّ الخراب البلاد، ولم يقدم أحدٌ اعتذاراً. وفي الأثناء، في النصف الآخر من الكرة الأرضية، يعيد التاريخ نفسه. فهل ستصبح ميانمار سوريا الجديدة؟
ميانمار ستلقى مصير سوريا
النُّذُر والتشابهات كثيرة ومقلقة وهي رسالة واضحة بأن ميانمار ستلقى مصير سوريا أو حتى أسوأ.
فما يحدث في هذا البلد الآسيوي، يُنبئ بمأساة إنسانية جديدة هائلة يمكن تحاشيها. ولكن من جديد، نرى أن من يمكنهم إيقافها لا يفعلون. وإنما يتقاتلون ويسعون للتفوق، حسب تقرير The Guardian .
ومن جديد، تدق الأمم المتحدة جرس الإنذار، وتحذر من “حمام دم وشيك”. إذ قالت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة كريستين شرانر بورغنر أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي إن المجلس العسكري في ميانمار، الذي استولى على السلطة في انقلاب فبراير/شباط، يشن حرباً على المواطنين.
وقالت إن إخفاقاً آخر في احترام القانون الدولي واحترام “مسؤولية” المجتمع الدولي في توفير الحماية يمكن أن يؤدي إلى “كارثة متعددة الأبعاد في قلب آسيا”. ولكن من جديد، وكما يحدث دوماً فيما يخص سوريا، فالمجلس منقسم، وكل ذلك يشير إلى وجود احتمال كبير بأن ميانمار ستلقى مصير سوريا.
الصين بدل روسيا وبايدن على نهج أوباما الضعيف
لكن الفرق في حالة ميانمار أن الصين هي صاحبة اليد العليا وليست روسيا. وتظهر بكين بوجهين. إذ قال سفيرها لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، إن الصين تدعم الاستقرار والحوار وما دعاه “التحول الديمقراطي”.
تقف الصين في طريق فرض عقوبات دولية وإجراءات الأمم المتحدة الأخرى لكبح جماح المجلس العسكري. فالعالم يعرف ما سيختاره الرئيس شي جين بينغ، إذا خُيّر بين الاستبداد والديمقراطية، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
وتقع ميانمار على حدود الصين، وتحظى بكين بنفوذ كبير وقديم في البلاد، حيث تربط البلدين علاقات ثنائية نشطة وقديمة، إذ كانت بورما أول دولة غير شيوعية تعترف بجمهورية الصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي بعد تأسيسها في عام 1949.
وتمتلك بكين علاقات قوية مع القادة العسكريين في ميانمار، ومن الواضح أنها لا تعارض الانقلاب الأخير، حتى إنها قد تكون مؤيدة له. وبحسب تحليل لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، فقد يكون اللاعب الأكثر أهمية في الانقلاب الأخير هو الصين، وربما كان الاجتماع الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2021 بين كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانغ يي، والجنرال مين أونغ هلاينغ، قائد الانقلاب العسكري في ميانمار، هي النقطة المحورية في الانقلاب، وقد تكون طريقة تعامل كل من الصين والولايات المتحدة مع الأزمة علامة مهمة لعلاقتهما.
في المقابل، الرئيس الأمريكي جو بايدن يقول إن حقوق الإنسان ركيزة أساسية في سياسته الخارجية. لكنه يظهر ضعيفاً فيما يتعلق بميانمار، حين تقف الصين في مواجهته (ألا يذكرنا ذلك بضعف سلفه باراك أوباما أمام بوتين في الملف السوري).
وتحاول المملكة المتحدة، القوة الاستعمارية السابقة، بذل المزيد من الجهد، حيث تشرف على جهود الأمم المتحدة، وتفرض عقوبات على المبيعات العسكرية، وتوفر الأموال لتسجيل انتهاكات الحقوق.
وفي الوقت نفسه، فالدول المجاورة لميانمار في رابطة أمم جنوب شرق آسيا تكتفي بالإدلاء ببيانات رسمية ولا تفعل شيئاً تقريباً. وتطالب جماعة الضغط “حملة بورما في المملكة المتحدة” بفرض حظر عالمي على الأسلحة، على سبيل المثال، وإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
مؤشرات على أن جرائم الجيش ستؤدي إلى تحول الثورة إلى العنف
وليس ثمة شك في أن الجنرال مين أونغ هلاينغ، رئيس المجلس العسكري، وأعضاء الجيش والشرطة يرتكبون جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بصفة يومية. ومين أونغ هلاينغ مطلوب بالفعل لارتكابه جريمة إبادة جماعية بحق أقلية الروهينغا عام 2017.
وهؤلاء القتلة والجلادون الذين يرتدون الزي الرسمي يتكلون على الإفلات من العقاب الذي تغذيه الانقسامات الدولية والامتناع عن تبني موقف حاسم. وعلى هذا النحو، فمن الوارد جداً أن يفلتوا من العدالة، مثل الأسد ومعظم أتباعه.
وقد قُتل مئات من المدنيين حتى الآن، وتعرض آلاف للاعتقال أو الاختفاء القسري، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وذكرت المفوضية الأسبوع الماضي أن “المداهمات الليلية والاعتقالات الجماعية والقتل أصبحت أحداثاً يومية”.
وأضافت أن “السلطة العسكرية الفعلية تلجأ بشكل متزايد إلى الأسلحة الثقيلة مثل القذائف الصاروخية والقنابل اليدوية والمدافع الرشاشة الثقيلة والقناصة لقتل المتظاهرين بأعداد هائلة”.
وفي مواجهة هذا القمع، هناك مؤشرات قوية توحي بأن ميانمار ستلقى مصير سوريا، إذ يتوالى ظهور ما يثبت أن هذه الأزمة تحول المتظاهرين المدنيين الشباب إلى متطرفين. فعلى غير العادة، يبدو أن احتجاجات الشوارع تحظى بدعم واسع من الطبقة الوسطى. والحديث يدور عن حمل السلاح للدفاع عن النفس وبناء جيش فيدرالي معارِض، في تشابه آخر مع ما حدث في سوريا عام 2011.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن “الحكومة الموازية” في ميانمار، اللجنة الممثلة لبييداونغسو هلوتاو CRPH، التي تضم نواباً منتخبين من انتخابات العام الماضي وأنصار الزعيمة المخلوعة، أونغ سان سو تشي، تقترح الآن دستوراً فيدرالياً جديداً يعترف بحقوق الأقليات العرقية.
وخطوة اللجنة الممثلة لبييداونغسو هلوتاو تزيد من احتمالية انضمام المعارضة المسلحة الناشئة إلى صفوف الميليشيات العرقية المتمرسة، مثل جيش كارين البوذي الديمقراطي (جماعة تمثل إثنية كارين في شرق البلاد)، الذي كثيراً ما قاوم عمليات نهب جيش التاتماداو (الجيش الرسمي للبلاد).
وأدان ما يسمى التحالف الشمالي -جيش أراكان، وجيش استقلال كاشين، وجيش التحرير الوطني تانغ، وجيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار- موجة القتل التي شنها المجلس العسكري إدانة قوية كذلك.
وتتعهد هذه الحركات بالدفاع عن “الشعب”. وجيش التاتماداو، الذي يزعم أنه القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على تماسك البلاد، يعمل على تفكيكها. وبهذه الطرق التدريجية، كما يدرك السوريون، تبدأ الحروب الأهلية.
مأساة اللاجئين تتكرر
وهناك تطور يعزز السيناريو القائل، بأن ميانمار ستلقى مصير سوريا، وهو هروب اللاجئين من العنف في ميانمار عبر الحدود إلى تايلاند والهند، تماماً مثلما فر الروهينغا إلى بنغلاديش، ويفترض أن ذلك يعد بمثابة ضوء أحمر جديد لمجتمع دولي لا يزال يعاني من نزوح السوريين.
لقد مررنا بهذا من قبل، فمع الكرب الشديد والظلم الناجم عن التهجير القسري يأتي اليأس والجوع والمرض وشبح الإرهاب، ولذا يجب على العالم الانتباه، إلى أن هذا قد ينتهي إلى أن ميانمار ستلقى مصير سوريا، وأن الجميع سيدفع الثمن كما حدث في الأزمة السورية.
صحيح أنه من المستبعد أن تقذف المياه هؤلاء اللاجئين إلى شواطئ أوروبا. لكن هذا لا يقلل من خطورة هذا الموقف المتصاعد من الناحية الإنسانية والأخلاقية والسياسية. فهل العالم مستعد حقاً لتحمل سوريا ثانية في آسيا؟