سنمار سورية الإخباري- تآكل قدرة السياسة الإسرائيلية

0

منذ عام 1948 ونكبة الشعب الفلسطيني تشكل كيان إسرائيلي تجمعت فيه كل سياسات التمييز العنصري والإثني والمذهبي والديني في تاريخ هذا العالم وكأن بريطانيا الاستعمارية أرادت أن يكون مختبراً لا نظير له لتجسيد مبدأ «فرّق تسد» الذي نفذته بريطانيا وكل الدول الاستعمارية في البلدان التي استعمرتها من أجل قهر واستعباد الشعوب وسلب مصادر ثرواتها.

وحين تشكلت حكومة ديفيد بن غوريون عام 1949 كان عدد الفلسطينيين الذين بقوا فيما بقي من دمار قراهم ومدنهم في ذلك الوقت لا ينقص عن 156 ألفاً وكان عدد اليهود لا يزيد على 800 ألف هم تقريباً نفس عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين أبعدهم الإرهاب الصهيوني عن فلسطين في حرب عام 1948.

وكان أول قرارات بن غوريون هو تقسيم الفلسطينيين بحسب الدين والمذاهب والإثنيات وتعيين مسؤولين إسرائيليين على متابعة كل فئة وطائفة بشكل منفصل عن الأخرى، فأصبحوا في أماكن تجمعهم التي فرضها بن غوريون تحت حكم أربع هيئات إسرائيلية لمتابعة شؤونهم اليومية والسياسية وأطلقت الحكومة عليهم «الأقليات المنفصلة عن بعضها البعض» وهم جميعهم عرب يضاف لهم عدد قليل من الفلسطينيين من أصل شركسي، وشكلت لهذا العدد من الشراكس هيئة متابعة خاصة أيضاً فأصبحت تتعامل مع كل فئة على الطريقة التي تحددها لقمع الجميع والسيطرة على كل فئة.

وفي خططها للسياسة الخارجية تجاه بقية الدول العربية شكلت إسرائيل مراكز أبحاث استخباراتية لاستخدام هذا المبدأ وتطبيقه على كل الدول العربية وخاصة المجاورة لها.

وكان الهدف الإستراتيجي لهذه السياسة قد انبثق من حقيقة أن إسرائيل سيظل من المستحيل عليها مهما امتلكت من مصادر القوة الحربية المتفوقة والدعم الإمبريالي الغربي الهائل ضمان استمرار وجودها إلا إذا كانت الدول المجاورة لها مجزأة إلى طوائف ومذاهب وإثنيات منفصلة ومتنازعة مع بعضها البعض وهذه السياسة الخارجية مع الدول المجاورة لفلسطين كانت قد ظهرت بشكل تفصيلي في وثيقة تعود لوزارة الخارجية الإسرائيلية وضعها عوديد يينون أحد المختصين بالأبحاث والتخطيط في الوزارة عام 1982 مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان كمخطط على مدى عشرات السنين وجرت ترجمتها من العبرية للإنكليزية في نهاية الثمانينات.

ولذلك يرى المفكرون في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة أن إسرائيل لا تملك سوى وسيلتين إستراتيجيتين لكي تضمن استمرار بقائها الأول هو: أن تضمن وجودها قوة كبرى أي القوة التي أسستها وتبنت حمايتها وهي بريطانيا ثم أميركا وهذه وسيلة فعالة ولكن هذه القوة قابلة للتعرض لعوامل الضعف أو تناقض المصالح مع الزمن

والثاني هو: أن تنفذ إسرائيل بدعم مباشر من القوة الكبرى خطة تقسيم وتجزئة لكل الدول المجاورة لها إلى كيانات وإثنيات وطوائف منفصلة وتمنع وحدتها وتضامنها مع بعضها بعضاً لكي تبقى هذه الكيانات ضعيفة أمام إسرائيل ومستسلمة لها.

ولذلك كانت إسرائيل بعد عدوان حزيران 1967 ترفض التفاوض مع أي وفد عربي موحد أو مشترك من أجل انسحابها من الأراضي المحتلة تشكله الأطراف العربية وكانت واشنطن تدعم هذه الخطة لتحقيق الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي نفسه وهو هدف جسدته إسرائيل في سياسة التسوية المنفصلة مع كل طرف عربي وحده.

وهي تتمسك حتى هذه اللحظة وأكثر من أي وقت مضى بسياستها هذه لتمزيق العالم العربي كله وتفتيت وجوده التاريخي الواحد لأنها وجدت أن التسوية مع المسؤولين العرب لن تنفع وحدها والدليل على ذلك تسوية كامب ديفيد مع مصر التي مضى عليها أكثر من أربعين سنة وبقي فيها الشعب المصري يرفض التطبيع مع إسرائيل على غرار الشعب الأردني والفلسطيني ودون أن تؤدي هذه التسويات التي توصلت إليها حكومات هذه الأطراف الثلاثة إلى أي تغيير في مواقف وثقافة شعوبها الرافضة للاحتلال الإسرائيلي ومستقبل وجوده.

ومع مرور كل هذه العقود على اتفاقات التسويات يتساءل عدد من المحللين في إسرائيل والغرب: إذا كانت إسرائيل قد طرحت شعار الأرض مقابل السلام وأعادت لمصر أراضي سيناء فإن رفض الشعب المصري والشعب الأردني والفلسطيني وبقية الشعوب العربية للتطبيع سببه استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين برغم أن منظمة التحرير وقّعت على تسوية مع إسرائيل والنتيجة المستمدة من هذه الحقيقة أن إسرائيل يستحيل أن تقسم وتجزئ ما يوحد هذه الأمة بكل فئاتها وأن تنزع عنها عوامل ومقومات ثقافتها التاريخية فوق هذا الوطن الكبير.

ولذلك ازدادت عناوين الأبحاث والدراسات التي تطرح أسئلة وتساؤلات عن مدى إمكانية نجاح إسرائيل في تقسيم هذه الأمة التي لا يشكل من تراهن عليهم إسرائيل من أفراد للتجاوب معها سوى عدد قليل من معظمهم يخضعون لضغوط وابتزازات أميركية وحسابات ضيقة.

المصدر: سنمار سورية الإخباري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.