الإمارات وإسرائيل..مشاريع في مجال الطاقة وتجاهل لمخاوف مصر
حققت سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الشرق الأوسط كل ما يصب في صالح إسرائيل ورئيس وزرائها اليميني بنيامين نتنياهو الذي تربطه بترامب علاقة وثيقة، وعلى الرغم من أن تلك السياسة كانت تفتقر إلى الحكمة وشديدة التقلب إلى حد كبير، لكنها نجحت بالتوسط في إقامة اتفاقيات تطبيع بين عدة دول عربية وإسرائيل، ضمن ما يعرف باتفاقيات “أبراهام”. والآن، تخطط الإمارات وإسرائيل للعديد من المشاريع بينهما، أبرزها في مجال الطاقة الذي يسعى الطرفان من خلاله للوصول إلى نوع من “تكامل الاقتصادات والاستفادة من المواقع الاستراتيجية” لكليهما. فما هي تفاصيل روابط مجال الطاقة التي تتطلع كل من أبوظبي وتل أبيب لإقامتها؟
الإمارات تتجاهل مخاوف مصر
يقول موقع Oilprice البريطاني، إن شركة “خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية” (EAPC) المملوكة للحكومة الإسرائيلية، وشركة “ميد ريد لاند بريدج” المملوكة لإسرائيليين وإماراتيين ويقع مقرها في الإمارات، وقعتا اتفاقيةَ تفاهمٍ هي الأولى من نوعها. وتنوي الشركتان استخدام خط أنابيب “إيلات-عسقلان” لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط. غير أنه، وفي حين يخدم هذا الاتفاق مصالح الطرفين، فإنه يحمل خسائر لمصر. وعلى الرغم من أن القاهرة تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل والإمارات، فإن واقع الأمر أن الاتفاقية قد تحرمها حصةً من رسوم عبور قناة السويس.
وخط الأنابيب الجديد يمكن أن ينقل 400 ألف برميل بترول يومياً إلى إيلات، و1.2 مليون برميل في الاتجاه الآخر إلى عسقلان. كما تبلغ سعة تخزين محطات النفط على الجانبين نحو 2.7 مليون متر مكعب. علاوة على ذلك، يمكن للأنابيب الصغيرة نقل النفط نحو مصفاتي التكرير الرئيسيتين في إسرائيل، الواقعتين في أسدود وحيفا.
ويهدف خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 254 كيلومتراً إلى التعامل مع أكبر سفن الشحن المستخدمة حالياً والتي لا تستطيع عبور قناة السويس بسبب حجم غاطسها الكبير. وتدعي شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية أن خط الأنابيب الجديد يوفر في الوقت والجهود والتكاليف المهدرة في طرق الشحن الأخرى. لكن على الرغم من المصالح الاقتصادية المتوقعة، فإن معارضة شرسة برزت حيال خط الأنابيب الجديد بسبب المخاوف البيئية. فميناء إيلات محاط بالشعاب المرجانية التي يمكن أن تتعرض لأضرار كبيرة. وقد جاء التسرب النفطي الأخير في سواحل البحر المتوسط المطلة على إسرائيل الشهر الماضي بمثابة نذير شؤم بما يمكن أن يتسبب فيه مشروع من هذا النوع.
ما سبب قلق مصر من اتفاق الإمارات وإسرائيل؟
ففي عام 2019، حققت قناة السويس عوائد بلغت 5.9 مليار دولار. وتعتمد الحكومة على عوائد القناة، إلى جانب إيراد السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، اعتماداً كبيراً في تأمين العملة الصعبة لخطط التحديث الخاصة بها. لذلك فإن منافسة خط أنابيب إيلات عسقلان يحرمها بلا شك بعض عوائد الشحن وحصةً من الإيرادات.
تعد قناة السويس أحد أهم المضائق المائية في صناعة الشحن العالمية. ويمر عبرها نحو 24% من مجمل حاويات الشحن المنقولة عالمياً، علاوة على أن 100% من حاويات الشحن الآسيوية الأوروبية تمر أيضاً عبر القناة. وعلى الرغم من هيمنة مصر على حصة كبيرة من تجارة الشحن الدولية، فإن القاهرة بدأت تشعر بالفعل بالخطر المحتمل من خط أنابيب إيلات عسقلان. وفي 21 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت هيئة قناة السويس (SCA) أن الناقلات العملاقة التي تزيد حمولتها على 250 ألف طن ستحصل على خصم بنسبة 48%.
وتستثمر مصر بكثافة في القناة. فقد أنفقت البلاد مليارات الدولارات في توسيع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تمتد على مساحة 260 كيلومتراً مربعاً. وهناك خطط لتحويل المنطقة إلى مركز صناعي ولوجستي عالمي.
وفي 21 فبراير/شباط 2021، التقى وزير البترول المصري طارق الملا مع مسؤولين إسرائيليين يتصدرهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس رؤوفين ريفلين، وذلك “للتعرف على ما تفكر به إسرائيل بشأن خطوطها الملاحية البرية، المنافسة لأهم ممر ملاحي عالمي (قناة السويس)، بحسب مصادر متطابقة لوكالة الأناضول.
وفي 29 من يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب رئيس هيئة قناة السويس المصرية، أسامة ربيع، عن “قلق بلاده بشأن مشروع خط أنابيب إيلات – عسقلان بين الإمارات وإسرائيل”. وقال ربيع في تصريحات لقناة صدى البلد التليفزيونية المصرية إن مصر تتابع عن كثب المشروع، لما له من تأثير مباشر على السفن المارة عبر قناة السويس، محذراً من أن “هيئة الأوراق المالية والسلع تجري حالياً دراسات لبحث سبل مواجهة المشروع الإسرائيلي الإماراتي الذي يمكن أن يقلل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%”.
العلاقة بين الإمارات وإسرائيل أقوى من تلك التي مع مصر
أثار الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بشأن خط الأنابيب بعض “التعجب” لأن مصر تقدم بالفعل خدمات لتلك الناقلات العملاقة التي لا تستطيع عبور قناة السويس بسبب غاطسها العميق كما يقول الموقع الأمريكي Oilprice، وتبلغ طاقة استيعاب خط أنابيب سوميد المصري، الذي ينقل النفط من خليج السويس على البحر الأحمر إلى سيدي كرير على ساحل المتوسط بالإسكندرية، 2.5 مليون برميل يومياً. غير أن المخاطرة بكل ذلك، والمضي قدماً في اتفاق خط إيلات عسقلان يبيّن مدى عمق العلاقات بين إسرائيل والإمارات.
لكن، وعلى الرغم من أن المصالح الاقتصادية لمصر مهددة إلى حدٍّ ما بسبب اتفاق خط الأنابيب، فإن القاهرة لا تزال حتى اللحظة تتمتع بعلاقات جيدة مع الطرفين. علاوة على ذلك، فإن مصر أصبحت على نحو متسارع مركزاً للطاقة في المنطقة بسبب الاكتشافات الكبيرة العديدة للغاز ومحطتي تسييل الغاز الطبيعي لديها. لذلك، فإن خط أنابيب إيلات- عسقلان قد يكون مصدر إزعاج لكن ليس “تهديداً وجودياً” لوضع مصر بوصفها منفذ مرور عالمياً للتجارة عبر قناة السويس، بحسب تقرير الموقع الأمريكي Oilprice.
تهديد لقناة السويس
وفي الربع الأخير من عام 2020، وقعت شركة “خطوط أوروبا- آسيا” الإسرائيلية، وشركة “إم إي دي- ريد لاند بريدج ليمتد” الإماراتية، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال نقل النفط الخام بين دول الخليج.
ويهدف الاتفاق إلى تطوير بنية تحتية قائمة وجديدة، لنقل نفط دول الخليج إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا، والذي يمر معظمه حالياً عبر قناة السويس. وأنبوب “إيلات- عسقلان” يشمل خط نفط رئيسياً؛ إذ يصل طول الأنبوب إلى 254 كيلومتراً. فيما يضم ميناء عسقلان خزانات للنفط بسعة 2.3 مليون برميل، ويستقبل ناقلات للخام بحجم 300 ألف طن.
وفقاً لتقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، العام الماضي، فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17% مع تشغيل خط “إيلات-عسقلان” بموجب اتفاق إماراتي إسرائيلي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية، إيزيك ليفي، للمجلة الأمريكية: “إن المشروع الإسرائيلي يفتح الكثير من الأبواب والفرص”، ويعتقد أن خط الأنابيب الذي سيربط ميناء إيلات جنوب إسرائيل بمحطة ناقلات في عسقلان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، “يمكن أن يقضي على حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة.
وتلعب قناة السويس دوراً محورياً في شحن الحاويات عالمياً، إذ تساهم بنسبة 24% لتجارة الحاويات الدولية، و100% لتجارة حاويات آسيا وأوروبا. وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت هيئة الأوراق المالية والسلع عن خصم 48% على رسوم عبور ناقلات النفط الخام العملاقة التي تزيد حمولتها عن 250 ألف طن، في محاولة لزيادة حجم السفن المارة عبرها.