الحرب تُنهك اليمنيين.. والبحث عن الخلاص بات الهم الأكبر
تداعيات الحرب على المجتمعات والدول المختلفة دائماً ما تكون كبيرة، وغالباً الخاسر الأكبر هو البلد الذي تدور فيه الحرب، وفي كثير من البلدان العربية تدور رحى الحرب التي تحصد يومياً المئات وتشرد أضعافهم .
معاناة اليمنيين
ويعتبر اليمن واحداً من هذه البلدان، والذي عانى مواطنوه من قلة الحيلة في ظل تجدد الحروب في جميع اتجاهاته بين الجماعات المسلحة المختلفة، والتي يريد كل منها فرض رأيه على الآخر بقوة السلاح لا بقوة العقل والحكمة .
ومع مرور الأيام، يفقد اليمنيون قدرتهم على الغضب تجاه كل السلبيات التي فرضتها أطراف الصراع، ويخسرون شغفهم بمتابعة التطورات من حولهم، بل وتزداد معاناتهم بشكل متجدد في ظل مستقبل مظلم .
لقد طال أمد الصراع في اليمن، والذي تحول إلى تجارة خاضعة لمصالح الأطراف المتصارعة وحلفائها الإقليميين والدوليين، وجراء ما كشفت عنه تطورات الصراع، من تواطؤ في ظلّ ما يجري من إفشال التوصّل إلى حسم عسكري أو حلّ سلمي .
المعركة مع الفساد
كثيرة هي نماذج الخيبة والانسحاب من المشاركة في الحرب، لكن الأسباب دائماً متشابهة، وتتعلّق بالفساد، وعدم الجدية في المعركة، وكذلك عدم التوافق بين الخطاب المعلن والممارسات على أرض الواقع، من قبل الأطراف اليمنية والتحالف أيضاً .
وإذا كان المقاتلون هم الأشدّ تحمساً وتشدداً في مواقفهم لصالح هذا الطرف أو ذاك، فإنّ تلاشي هذه الحماسة بهذه الحدّة، يجعل تراجع حماسة غير المقاتلين أيضاً أكثر احتمالاً .
موضوع للسخرية
إن الحماسة المتزايدة لحديث الشرعية عن استعادة العاصامة اليمنية صنعاء، تحوّلت مع الوقت إلى موضوع للسخرية مع بقايا أمل باحتمال حدوث ذلك، ثمّ تلاشى ذلك الأمل وغاب الاهتمام، وتحول الناس إلى اللامبالاة.
ويظهر ذلك من تراجع الاهتمام بشكل كبير بمسألة تنشيط الجبهات الجامدة بين وقت وآخر، كما حدث في نهم والجوف أخيراً، وتبادل الاتهامات بالخيانة والتقصير بين مكونات الشرعية والتحالف بعد سقوط المنطقتين في يد الحوثيين .
قلة الحماسة
حتى وقت قريب، كانت مؤشرات غضب اليمنيين من ممارسات الحوثيين، وفساد الشرعية، وتصرفات التحالف العربي تطفو على السطح بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ملامح الغضب هذه تكاد تقتصر حالياً على المنخرطين في الصراع بشكل مباشر، أو أصحاب المصالح منه .
أما المواطن اليمني العادي، فقد خبت حماسته، وتصاعدت خيبته، وأصبح أكثر حذراً من تسجيل مواقف قد تؤثر على سلامته، لكنها لن تغير من واقع الحرب في البلد بأي حال من الأحوال .
على سبيل المثال كان ترحيل مواطنين يمنيين من أبناء الشمال من عدن، يحظى بتفاعل مرتفع في بداية الأمر، وتعبير واسع عن الرفض لمثل هذه الممارسات، لكن في المرة الأخيرة قبل شهر واحد، عندما تمّ ترحيل قرابة 600 مواطن، ومصادرة وثائقهم الشخصية، بالكاد تفاعلت المواقع الإخبارية، والقليل جداً من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي مع الحادثة .
الأمر نفسه ينطبق على ما تمّ نشره من معلومات عن فساد المنظمات الدولية في اليمن، وعن عرقلة الحوثيين لتوزيع المساعدات الإنسانية، وحصول شخصيات من الجماعة في المجلس الأعلى لتنسيق المساعدات على مرتبات شهرية بآلاف الدولارات من المنظمات الأممية، وعن تعيينات الرئيس عبد ربه منصور هادي لأبناء وأقارب مسؤولي حكومته في مناصب مختلفة .
جميع هذه الممارسات تجعلنا ندرك بان السلام في اليمن لن يحل في القريب .
باختصار شديد فإن خذلان الشرعية، وقمع الحوثيين، وتلاعب التحالف، أدت مجتمعة إلى انصراف المواطن العادي إلى شؤون حياته وتدبير نفقات أسرته، وتجنب التصرفات التي قد تعرضه وأسرته للمتاعب .