لغز قوة الحوثيين لا يمكن تفسيره بالدعم الإيراني فقط، فما السر؟

0

عرض تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي استراتيجية الحوثيين القتالية وأساليبهم في الحصول على الأسلحة وكيف يطوّرونها، كما يناقش الحلول المتاحة للمملكة العربية السعودية، التي أخفقت في تحقيق نتيجة رغم قدرات جيشها المتطورة.

السعودية استهانت بقوة الحوثيين

كان الهدف الرئيسي من الحملة العسكرية السعودية، التي خُطط لها الاستمرار لثلاثة أسابيع، إجبار الحوثيين على الانسحاب من العاصمة اليمنية صنعاء، التي سيطروا عليها في سبتمبر/أيلول 2014. وبعد ذلك -أو حسبما كانت الخطة- يمكن عودة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى شكل ما من أشكال السلطة، ولكن بدلاً من إضعاف الحوثيين عزّز التدخل السعودي في اليمن من وضع الحوثيين سياسياً وعسكرياً، وفي الوقت ذاته تعمّقت علاقة الحوثيين بإيران، وهي علاقة كانت بسيطة، حسب التقرير.

وكما هو الحال في الغالب مع التدخلات المسلحة، أسست عملية عاصفة الحزم حلقات من ردود الفعل الخطيرة التي لن تتعطل إلا عن طريق غير الحرب.

وأقرت الإمارات بالحاجة إلى نُهُج جديدة، وهي تعيد ضبط سياساتها في اليمن وفي المنطقة الأوسع. وسحبت الإمارات معظم قواتها المسلحة من اليمن في عام 2019، وقللت تورطها الصريح في هناك، لكنها لا تزال متورطة تورطاً عميقاً في جنوب اليمن، حسب الموقع الأمريكي.

ما طبيعة علاقتهم مع إيران

من الصعب تحديد طبيعة العلاقة بين إيران وميليشيات الحوثيين، وهل هي تحالف أم تبعية من الحوثيين لطهران.

فعلى عكس حزب الله (التابع مباشرة للمرشد الإيراني)، فإن الحوثيين لا يمكن وصفهم بأنهم أتباع دينيون وسياسيون لإيران، رغم أنهم يعدون عضواً مهماً في المظلة الشيعية الواسعة التي تقودها إيران، والتي يفضل أعضاؤها تسميتها محور الممانعة.

ورغم أن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الجارودي وهو الأقرب في الشيعة الزيدية للمذهب الشيعي الاثني عشري، ورغم أنهم اقتربوا دينياً وسياسياً ولوجستياً بشكل كبير من إيران في العقود الأخيرة، فإن هناك خلافات بين المهتمين بالحوثيين حول حقيقة تحولهم للمذهب الشيعي الاثني عشري أم أنهم ازدادوا اقتراباً منه فقط. 

ما الحل أمام السعودية، هل العودة لأساليبها التقليدية؟

يقول التقرير “يجب على السعودية، مثل الإمارات، أن تتخذ نهجاً أكثر واقعية لتحقيق أهدافها في اليمن، تمتلك المملكة كلاً من الوسائل والمعرفة المؤسسية اللازمة لتبديل حلقات ردود الفعل التي أطلقها تدخلها وسياساتها الماضية”. 

قبل تدخل السعودية في اليمن عام 2015، كانت الشواغل الأساسية للسعودية تتعلق بالأمن الحدودي وضمان ألا يشكل هذا اليمن المكتظ بالسكان والديمقراطي نسبياً، أي تهديد حدودي على السعودية، حسب تعبير الموقع.

وعلى مدى حوالي 50 عاماً، حققت السعودية بدرجة كبيرة هذه الأهداف -وكان هذا في غالب الوقت على حساب المصالح اليمنية- عن طريق اتباع نهج دقيق غير مكلف ومتصل بالسياق عند التعامل مع اليمن.

إذا أرادت السعودية تخليص نفسها من مستنقع اليمن، يجب عليها أن تستبدل بالتدخل العسكري مشاركة اقتصادية ودبلوماسية متجددة ومنقحة، مع طيف من أصحاب المصلحة اليمنيين. 

ولكن من خلال استمرار تدخلها العسكري الحالي، تواجه السعودية مخاطرة تتمثل في التأكيد على أن المشكلات التي تواجهها في اليمن صارت مستعصية أكثر مما مضى، حسب الموقع الأمريكي.

كيف طوّر الحوثيون أسلحتهم؟

ثمة مشكلة رئيسية بين هذه المشكلات، وتتمثل في تطوير الحوثيين -مع المساعدة الإيرانية الفنية- عدداً من الطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف. 

رداً على استمرار القصف الجوي السعودي للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، استخدم الحوثيون طائرات مسيرة مسلحة وصواريخ وقذائف منتجة جميعها محلياً في الأساس، لضرب أهداف داخل السعودية. أثبت الحوثيون كذلك أنهم بارعون بالمثل في تنفيذ هجمات عابرة للحدود داخل الأراضي السعودية، وهي تحدث في الغالب باستخدام طائرات رقابة مسيرة تُطلق يدوياً، لإرشاد مقاتليهم لتجاوز العوائق والوصول إلى الأهداف.

الحوثيون يستغلون ضباط الجيش اليمني

صحيحٌ أن إيران اضطلعت بدور في برامج الطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف التي يستخدمها الحوثيون، لكنّ الحوثيين أنفسهم كانت لهم اليد العليا في قيادة أغلب الجوانب الابتكارية. 

عندما سيطر الحوثيون على أغلب مناطق شمال غرب اليمن بين عامي 2014 و2015، استوعبوا عديداً من الضباط والمهندسين الأكثر كفاءةً في الجيش اليمني والقوات الجوية اليمنية. اعتاد هؤلاء الضباط والمهندسون، وعديد منهم تعلموا وتدربوا في الخارج، على صيانة أنظمة تسليح معقدة نسبياً عن طريق قطع غيار محدودة وميزانية منخفضة. بُثت روح الارتجال والإبداع الإجباري في الجهود التي قادها هؤلاء الضباط وضباط الصف المُكلفون بصيانة أنظمة التسليح اليمنية، حسب الموقع اليمني.

شحذ التدخل الذي تقوده السعودية همم الحوثيين لتطوير أسلحة قادرة على شن هجمات ضد أهداف سعودية، حتى إن كانت بأسلوب رمزي فقط. وفي مثال صارخ لما يصفه إريك فون هيبل، الأستاذ لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بـ”دمقرطة الإبداع” فإن الحوثيين -وبالتبعية داعميهم الإيرانيين- استفادوا من القدرة على الوصول اليسير إلى المساعدة الفنية عبر الإنترنت، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والبرمجيات الحاسوبية المتطورة التي يسهل اقتناؤها. 

إذ إن أنظمة التسليح الموجودة هذه -بجانب أساس معرفي راسخ- مع مخازن قطع الغيار والمكونات المُهربة من إيران، سمحت للحوثيين ببناء مجموعة من الأسلحة التي تُضخِّم التكتيكات غير المتكافئة التي يستخدمونها. 

وفي الوقت ذاته، كان هؤلاء الضباط الذين يبنون الأسلحة ويستخدمونها يصقلون باستمرار تصميماتهم عن طريق استيعاب دورس هجماتهم الناجحة والفاشلة على السواء.

يصف تقرير موقع Responsible Statecraft الحوثيين بأنهم بارعون عسكرياً. ومثل جميع جماعات حرب العصابات، كان عليهم أن يكونوا كذلك في مواجهة خصم أقوى. 

تفوقوا على الجيش اليمني من قبل

خاض الحوثيون 6 حروب مع الجيش اليمني بين 2004 و2010، وتفوقوا بدرجة كبيرة. أما الجيش السعودي فلم يتكيف مع حروب ولم يتورط فيها بطريقة تتيح له مجابهة الحوثيين. 

أظهر الحوثيون باستمرار أنهم قادرون على استيعاب حلقة OODA التي ينتهجها الجيش السعودي (وهو نهج الضابط الأمريكي جون بويد، القائم على المراقبة والتوجيه واتخاذ القرار والتصرف). 

وليس من المرجح أن يتغير هذا في ظل قدرة الحوثيين على الاستفادة من أنهم يقاتلون داخل أرضهم. والطائرات المسيرة والصواريخ غير باهظة الثمن المتطورة بدرجة كبيرة، التي يستخدمها الحوثيون، تزيد من تعزيز المزايا التي يحظون بها بوصفهم منظمة عسكرية ضعيفة سريعة الحركة وقادرة على التكيف.

إذا توقفت الحرب فالسعودية قد تستعيد جزءاً من نفوذها ببطء

أظهرت 6 سنوات من الحرب، أن السعودية (مع الدعم الأمريكي)، والإمارات، ووكلاءهما غير قادرين على هزيمة الحوثيين عسكرياً. بدلاً من ذلك لم يفعل التدخل العسكري شيئاً إلا أن قاد الحوثيين إلى إجادة ما هم يجيدونه بالفعل، وهو القتال. يبدو أن إدارة بايدن تعي هذا وتمارس بحرص ضغطاً على السعودية، لتجرب نُهُجاً مختلفة من أجل تهدئة الحرب في اليمن. ويجب على الولايات المتحدة أن تساعد السعودية، كي تساعد الأخيرة نفسها. يوجد كثيرون في الحكومة السعودية من ذوي الخبرة، والأهم من هذا توجد العلاقات مع النخب اليمنية، وهي ضرورية للمساعدة على استقرار اليمن وإنهاء دائرة العنف.

إذا كانت السعودية ستعود إلى نوعية السياسة التي استخدمتها من قبل في اليمن، فإن المملكة قادرة أن تستعيد رويداً رويداً النفوذ الذي مارسته من قبل، صحيحٌ أن السياسات السعودية في اليمن كانت تخدم المصالح الذاتية، لكنها كانت متفوقة على الوضع الحالي القائم على الاعتماد على الصراع المسلح، ونظراً إلى أن السعودية والإمارات كلتيهما قوة إقليمية رئيسية، تملك كلتاهما أدواراً لتضطلع بها في أي وضع لاحق سيكون عليه اليمن، لكن هذه الأدوار تعتمد على الاعتراف بأن الحوثيين سيكون لهم دور أيضاً، بل ودور مهم في ذلك الوضع، أما العجز عن الاعتراف بهذا والإخفاق في تحويل صناعة الحرب إلى صناعة سلام، فإنه سوف يضمن أن دوائر العنف والابتكار القاتل من جانب الحوثيين سوف تستمر بعواقب وخيمة أكبر على اليمن وعلى المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.