تحذيرات من كارثة حقيقية في اليمن بسبب الطاقة الشمسية، فما القصة؟

0

ربما تكون ثورة الطاقة الشمسية في اليمن هي الخبر الوحيد السار الذي يغطي أحياناً على أخبار الحرب والدمار الغالبة على البلاد منذ نحو سبع سنوات، لكن حتى هذا الخبر السار يبدو أنه يحمل في طياته إنذاراً بكارثة.

والقصة هنا تتعلق بالتأثير الكارثي للصراع الذي مزق اليمن وحوّلها إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بحسب التقارير الأممية، منذ انقلاب الحوثيين عام 2014، ودخول التحالف السعودي-الإماراتي إلى البلاد في مارس/آذار 2015، لدعم الحكومة الشرعية ودحر الحوثيين، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم، ولا أحد يعرف متى تضع الحرب أوزارها.

الطاقة الشمسية في اليمن منقذ حقيقي

ومنذ اندلاع الصراع في اليمن عام 2014، تحول البلد الذي كان يوصف يوماً باليمن السعيد إلى مصدر للأخبار الحزينة والسلبية، المتمثلة في القتلى والجرحى والدمار والغرق في الظلام، حتى جاء ما أصبح يوصف بثورة الطاقة الشمسية وتبنيها في البلاد على نطاقٍ هائل، ليمثل خبراً ساراً كاد أن يكون وحيداً.

وقد وصفت ورقةٌ من برنامج الحصول على الطاقة والتنمية، ومقره برلين، اتجاه اليمن إلى الطاقة الشمسية باعتباره “ثورة”، فحتى قبل أن يندلع الصراع الحالي كان البلد يوصَف بأنه “فقيرٌ في الطاقة” مقارنةً بدول الشرق الأوسط الأخرى، ثم خلال الصراع الجاري دُمِّرَ أكثر من نصف البنية التحتية للكهرباء في البلاد، وصار هناك عجزٌ أكبر في إمدادات الطاقة. 

وفي البداية، أخذ السكَّان المحليون يعوِّضون هذا النقص بمولِّداتهم، التي تعمل في الأغلب بالديزل، لكن بعدما أصبح من الأصعب الوصول إلى إمدادات الوقود، بسبب الحصار، وارتفاع أسعار الديزل تبعاً لذلك، أُجبِرَ الكثير من اليمنيين على التحوُّل إلى الطاقة الشمسية، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.

ووفقاً لبرنامج الحصول على الطاقة والتنمية، الذي يركِّز على الحصول على طاقةٍ نظيفة وفي مُتناوَل اليد، تحوَّلَت الطاقة الشمسية من كونها مُنتَجاً نادراً يُستخدَم في عددٍ قليلٍ من المنازل في عام 2012، إلى أن أصبحت المصدر الرئيسي للطاقة للأسر اليمنية.

ومنذ عام 2016 فصاعداً، ارتفع استخدام الطاقة الشمسية، وخلُص باحثو البرنامج إلى أن “75% من سكَّان الحضر و50% من سكَّان الريف يتلقون الطاقة الشمسية”. وشمل ذلك حتى بعض المجتمعات التي لم تكن لديها كهرباء من قبل.

وبات واضحاً أن ثورة الطاقة الشمسية في اليمن أنقذت الأرواح، فقد قامت على سبيل المثال بتشغيل المستشفيات والعيادات الطبية. وقد غيَّرَت حياة الناس أيضاً، إذ تصدَّرَت الشابات اليمنيات عناوين الصحف الدولية لإنشائهن شبكات صغيرة للطاقة الشمسية لمجتمعاتهن، وتشير دراسة الأمم المتحدة إلى أن المدارس التي تعمل بالطاقة الشمسية قد خفضت معدَّلات تسرُّب التلاميذ من المدارس، واستبدل المزارعون مولِّدات الديزل المُلوِّثة للبيئة وصاروا يستخدمون مضخَّاتٍ تعمل بالطاقة الشمسية لريِّ مزارعهم.

كارثة نقص المياه في اليمن

لكن لسوء الحظ، تمثل هذه النقطة منعطفاً أكثر قتامة في القصة الإيجابية، خلُصَ تقريرٌ نشره مرصد الصراع والبيئة في المملكة المتحدة، هذا الأسبوع، إلى أنه في حين أن الشوارع والبنايات قد تكون مُضاءة في جميع أنحاء اليمن، فقد لا يكون هناك ماءٌ في القريب العاجل، وهم يعتقدون أن السبب في ذلك هو الطاقة الشمسية، بحسب الموقع الألماني.

ويستخدم مرصد الصراع والبيئة معلوماتٍ مفتوحة المصدر لمراقبة تأثير الصراع على البيئة. وبدأ الباحثان في المرصد، ليوني نيمو ويوغان داربشاير، عملهما في اليمن في عام 2019، بالنظر إلى الزراعة والمياه الجوفية أيضاً، باستخدام الاستشعار عن بُعدٍ عبر الأقمار الصناعية.

ومن أجل استشعار المياه الجوفية عن بُعد استخدم مرصد الصراع والبيئة مجموعةً من الأقمار الصناعية تُسمَّى GRACE، وهي اختصار لـ”الأقمار الصناعية لتغطية حقل الجاذبية واختبار المناخ”، التي أطلقتها وكالة ناسا لأول مرة عام 2002. لا تلتقط الأقمار الصناعية صوراً للممرات المائية، بل تقيس حركات المياه في العالم، مثل ذوبان القمم الجليدية ومستويات المحيطات، عن طريق قياس جاذبية الأرض. 

عندما تتغيَّر كتلةٌ فإنها تغيِّر جاذبية الأرض قليلاً، وعندما تقل المياه الجوفية تقل الكتلة أيضاً، تتأثَّر هذه الأقمار الصناعية بجاذبية الأرض أثناء وجودها في المدار، لذلك عندما تتغيَّر الجاذبية فإنها تتحرَّك قليلاً. وتسجِّل الأقمار الصناعية هذه الحركة وترسلها إلى العلماء على الأرض، الذين يحوِّلون البيانات لتتبُّع التغيُّرات في المياه. 

انخفاض خطير في مستويات المياه

كان باحثو مرصد الصراع والبيئة يستخدمون الاستشعار عن بُعدٍ عبر الأقمار الصناعية عندما اكتشفوا أن المياه الجوفية في غربيّ اليمن كانت في أدنى مستوياتها منذ بدء تسجيلات الأقمار الصناعية عام 2002، وبعد ذلك فقط استنتجوا أن زيادة توافر الطاقة الشمسية ربما كان يلعب دوراً كبيراً في تلك المستويات المنخفضة بشكلٍ مُقلِق.

وباعتبار اليمن أحد أفقر البلدان على وجه الأرض، يعتمد اليمنيون بشكلٍ كبير على المياه الجوفية. عندما كان الناس يستخدمون مضخَّاتٍ تعمل بالديزل لإخراج المياه من الأرض كان الوقود باهظ الثمن، لذلك لا يمكن تشغيل المضخَّات لفترةٍ طويلة، وأدَّى ذلك إلى انخفاض المحاصيل، وهو ما كان له دورٌ في المجاعة الحالية. 

ومع ذلك، يمكن لمضخَّات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية أن تستمر في العمل ما دامت الشمس مشرقة. كان هذا أفضل بالنسبة للزراعة والانبعاثات والبيئة، ولكنه كان أسوأ بكثيرٍ بالنسبة لمستويات المياه الجوفية. 

وقال نيمو وداربشاير للموقع الألماني إنهما توصَّلا إلى هذا الاستنتاج بسبب عدة عوامل. أولاً، كان هطول الأمطار أعلى من المتوسِّط، ولكن المياه الجوفية كانت لا تزال منخفضة. قال داربشاير: “هذا عكس ما تتوقَّعه”.

ثانياً، كان هناك نموٌّ هائل في استخدام الألواح الشمسية في البلاد. وثالثاً، أشارت إحصاءاتٌ من المسؤولين اليمنيين إلى أنه في عام 2019 كانت هناك زيادةٌ كبيرة في الزراعة المحلية بعد انخفاضٍ خطير بسبب الحرب، وكان الافتراض أن الناس كانوا يسقون محاصيلهم أكثر. 

وقال نيمو إن الزيادة في عمليات الضخ التي تعمل بالطاقة الشمسية “كانت تشير إلى كلِّ الأدلة”. كلا الباحثين متأكِّد من النتائج التي توصَّلا إليها، لكنهم يقولون أيضاً إنه لتأكيد فرضيتهما تماماً هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من البحث والاختبارات داخل البلاد، حتى لو كان هذا صعباً بسبب الصراع الحالي. وقالا إن من الصعب معرفة متى تنفد إمدادات المياه الجوفية أو يتعذَّر الوصول إليها.

وتشير التجارب السابقة إلى أن نظرية الباحثَين منطقية، مثلما أكَّدَ هانز هارتونغ، الخبير الألماني في المياه الجوفية والطاقة الذي قدَّم استشاراتٍ حول هذا الموضوع للحكومات في جميع أنحاء العالم لأكثر من 30 عاماً. قال هارتونغ لشبكة DW إن هذا الجانب من الطاقة الشمسية على وجه الخصوص حظي باهتمامٍ أكبر مؤخراً. 

وكان هارتونغ قد ألف تقريراً عام 2018 صدر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة حول هذا الموضوع، ويعتقد أننا سنسمع المزيد عن مشكلات مضخَّات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية في المستقبل القريب. 

وأوضح هارتونغ أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية كانت باهظة الثمن في السابق. وقال: “فقط في السنوات الأربع أو الخمس الماضية أصبحت هذه التكنولوجيا متاحةً على نطاقٍ واسع”. ومن ناحيةٍ أخرى، أدَّى تغيُّر المناخ إلى انخفاض هطول الأمطار، ما يعني أن المزيد من الناس يضطرون إلى استخدام المياه الجوفية للريِّ ويحتاجون إلى ضخِّها من الأرض. 

ومؤخرا قيَّم هارتونغ موارد المياه التونسية، وقال: “السلطات هناك قلقةٌ للغاية لأنها ترى المزيد من الآبار غير القانونية والمزيد من الناس يستخدمون الريَّ بالطاقة الشمسية”. وأضاف: “إذا كان شخصٌ ما متصلاً بشبكة الكهرباء، فيمكنك على سبيل المثال تقييد إمدادات الطاقة لتجنُّب الريِّ المفرط، ولكن مع الطاقة الشمسية لم يعد لديك أيُّ سيطرةٍ بعد الآن”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.