كيف تغيرت ملامح السياسة الخارجية المصرية بشكل لافت خلال عام؟

0

تتكثف ملامح تغيّرات لافتة في السياسة الخارجية المصرية منذ بداية عام 2021   على 4 مسارات رئيسية، شهدت مساعي متبادلة لتطوير العلاقات بين القاهرة وكل من تركيا وقطر وليبيا وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” الفلسطينية.

أولاً: مسار تركيا.. إشادات وجلسة مشاورات

في 8 أبريل/نيسان، تقدم رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، بالشكر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الجهود التي بذلها خلال رئاسة أنقرة الدورية لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8).

وجاء الشكر بعد نحو شهر من إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في 12 مارس/آذار، بدء اتصالات دبلوماسية بين بلاده ومصر لإعادة العلاقات لطبيعتها.

وسبقه حديث، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف فيه تشاووش أوغلو أن البلدين “يسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية”.

وفي 12 أبريل/نيسان، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، عقب يومين من اتصال هاتفي مع تشاووش أوغلو، أن القاهرة “حريصة على إقامة علاقات وفقاً لقواعد القانون الدولي وخلق حوار مع تركيا يصب في مصلحة البلدين”.

وأوضح شكري في تصريحات متلفزة، أن “التصريحات واللفتات التركية الأخيرة موضع تقدير، ويوجد اهتمام بأن يحدث انتقال من مرحلة المؤشرات السياسية والانفتاح السياسي الذي يحدد إطار العلاقة وكيفية إدارتها”.

وتطور الأمر باستضافة القاهرة جولة استكشافية لمشاورات ثنائية يومي 5 و6 مايو/أيار، برئاسة نائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا، ونظيره التركي السفير سادات أونال.

ووصف بيان ختامي مشترك المشاورات بأنها “صريحة ومعمقة وتطرقت إلى القضايا الثنائية والإقليمية”.

وآنذاك، قال تشاووش أوغلو إن لقاء الوفدين جاء بناء على دعوة القاهرة، و”جرى في أجواء إيجابية لبحث تحسين العلاقات”، وإن اللقاءات ستستمر في الفترة المقبلة.

وفي 7 مايو/أيار، أعلن الرئيس أردوغان عن بدء مرحلة جديدة في العلاقات مع مصر في الوقت الراهن، مؤكداً أن المحادثات ستتواصل وسيتم تطويرها وتوسيعها.

وفي 11 مايو/أيار، بحث تشاووش أوغلو مع شكري، هاتفياً، تطورات أحداث قطاع غزة، في ظل عدوان عسكري إسرائيلي بدأ قبلها بيوم.

والعلاقات بين تركيا ومصر مستمرة على مستوى القائم بالأعمال منذ عام 2013.

وخلال هذه الفترة جرت لقاءات خاطفة بين وزيري خارجية البلدين في مناسبات مختلفة.

وتواصل سفارة تركيا بالقاهرة وقنصليتها في الإسكندرية، وسفارة مصر لدى أنقرة وقنصليتها في إسطنبول أنشطتها.

ثانياً: مسار قطر.. تسريع لاستئناف العلاقات ودعوة لزيارة الدوحة

في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، صدر بيان “العلا” عن القمة الخليجية بالسعودية، معلناً نهاية أزمة حادة اندلعت منتصف 2017، وقطعت خلالها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر.

وسريعا بعد هذا البيان، عملت القاهرة والدوحة بشكل مكثف على طي صفحة الخلافات بينهما.

فمن مقاطعة حكومية وهجوم إعلامي إلى لقاءات واتصالات رسمية وهدوء وتوازن بالخطاب، ما يعكس رغبة مشتركة بتسريع استئناف العلاقات وتصفير مشاكل سابقة.

وبالفعل، في 23 فبراير/ شباط الماضي، عقد وفدان رسميان من قطر ومصر مباحثات في الكويت حول آليات تنفيذ بيان المصالحة.

وفي 3 مارس/ آذار الماضي، أجرى وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أول زيارة لمصر منذ إعلان المصالحة.

وأكد “آل ثاني”، عقب لقائه شكري، أن الدوحة والقاهرة تسعيان إلى “عودة الدفء إلى العلاقات” بينهما.

وبعدها بـ 5 أيام، زار وفد قطري القاهرة، للمرة الأولى منذ المصالحة، لـ”تسريع استئناف العلاقات”.

وفي 14 مارس/ آذار، أكد شكري، أمام لجنة برلمانية مصرية، أن “هناك رسالة إيجابية من الأشقاء في قطر على استعادة زخم العلاقة”.

وعلى مستوى القمة، تلقي الرئيس المصري، في 12 أبريل/ نيسان، اتصالا هاتفيا من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، للتهنئة بحلول شهر رمضان، وهو أول اتصال بينهما منذ المصالحة.

وفي ظل عدوان إسرائيلي على غزة، تلقى شكري، في 16 مايو/ أيار، اتصالا هاتفا من نظيره القطري، اتفقا فيه على أهمية العمل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستمرار التنسيق في الإطار الثنائي والإقليمي.

والإثنين، وصل وزير الخارجية القطري إلى القاهرة، في ثان زيارة لمصر منذ المصالحة.

والتقى “آل ثاني” مع شكري، وقدم الشكر لمصر على دورها في وقف إطلاق النار بغزة، وسط حديث مصري على أن العلاقات “شهدت تطورا إيجابيا”.

وسلم “آل ثاني”، الثلاثاء، السيسي، رسالة خطية، من أمير قطر، تتضمن دعوته لزيارة الدوحة، في أكبر تطور على مستوى العلاقات بين البلدين منذ المصالحة.

ثالثا: مسار ليبيا.. ابتعاد عن حفتر واقتراب من الحكومة وفتح سفارة

لعدة أعوام، ظلت مصر علنا تدعم اللواء المتقاعد حفتر، الذي قاتل حكومة الوفاق الوطني السابقة، المعترف بها دوليا.

وبعد عدم نجاح الرهان على حفتر، واتهامات وضربات جوية مصرية ضد عناصر وصفتها القاهرة بـ”الإرهابية” في ليبيا، اقتربت القاهرة أكثر من حكومة جارتها الغربية، عبر إجراءات غير مسبوقة.

ففي 5 فبراير/ شباط الماضي، هنأت الخارجية المصرية عبد الحميد الدبيبة بانتخابه رئيسا لحكومة وحدة وطنية.

وبعد نحو أسبوعين، وصل الدبيبة إلى القاهرة، في أول محطة خارجية له، وهو تطور عكس تطلع متبادل، لاسيما مصري، لرفع مستوى تعزيز العلاقات.

وفي 13 مارس/آذار، أجرى السيسي اتصالا بالدبيبة، لتهنئته بنيل حكومته ثقة البرلمان، وتأكيد دعم مصر لها والاستعداد للمشاركة في تنفيذ المشروعات التنموية بليبيا.

ويعكس هذا الاتصال تطور مستوى التواصل بين الجارتين، مع مكاسب اقتصادية محتملة للقاهرة، لاسيما مع اتفاق على عودة عمالة مصرية إلى ليبيا تقدر بالملايين، وكانت تمثل دعما كبيرا للاقتصاد المصري، لكنه تلاشى مع اندلاع الصراع المسلح الليبي.

وفي 20 أبريل/ نيسان، وصل مدبولي إلى طرابلس، برفقة 11 وزيرا، في أول زيارة يجريها مسؤول مصري بمنصب رئيس وزراء إلى ليبيا، منذ 2010.

ووصف مدبولي الزيارة بأنها “تاريخية بكل المقاييس”، مؤكدا العمل على عودة العمالة المصرية.

فيما حملت تصريحات الدبيبة احتفاء بملامح هذا التغيير المصري، حيث تحدث عن ميلاد “مرحلة جديدة من الشراكة بين البلدين وتوقيع اتفاقات مهمة”.

وفي ختام الزيارة، أصدرت مصر وليبيا بيانا ختاميا أعلنتا فيه اتفاقهما على تسيير دوريات حدودية وإقامة نقاط مراقبة واستئناف رحلات الطيران بين البلدين، وتشجيع التبادل الاقتصادي.

وفي مطلع مايو/ أيار، وصل السفير المصري، محمد ثروت، إلى طرابلس، لبدء استئناف العمل الدبلوماسي.

وفي الخامس من الشهر ذاته، استأنفت اللجنة القنصلية الليبية المشتركة مع مصر أعمالها في القاهرة، بعد 8 سنوات من التوقف.

رابعا: مسار حماس.. مزيد من التقارب وبسط النفوذ ودور وساطة

منذ بداية التصعيد الإسرائيلية في فلسطين، ولاسيما في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة “حماس” منذ صيف 2007، كان لافتا التقارب المعلن بين مصر والحركة، في إطار قيادة القاهرة لوساطة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

وبينما القتال مستمر بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل، أعلن السيسي، في 18 مايو/أيار، تخصيص 500 مليون دولار لصالح إعادة إعمار غزة، في خطوة أشاد بها رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية.

وآنذاك، أعلن صندوق “تحيا مصر” (رسمي)، بتوجيهات رئاسية، عن تخصيص حساب مصرفي لتلقي المساهمات من داخل وخارج مصر لإعادة إعمار غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني.

ومع فجر الجمعة، تحقق بجهد مصري وقف إطلاق النار، ثم وصل وفد أمني مصري إلى غزة، حيث أحرى مشاورات مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، شملت الفصائل الفلسطينية، وخاصة قادة “حماس”.

والأحد، وصلت قافلة مساعدات مصرية إلى غزة، عبر معبر رفح البري مع مصر، هي الثانية في أسبوع، بمجمل 87 شاحنة دعما لأهالي القطاع، الذي تحاصره إسرائيل منذ صيف 2006.

والثلاثاء، قال الناطق باسم “حماس”، حازم قاسم، للأناضول، إن وفدا برئاسة هنية، “سيزور القاهرة خلال الأيام المقبلة”، بدعوة من مصر، لبحث ملفي الإعمار و”استكمال جهود مصر في لجم العدوان الصهيوني”.

كل هذه الإجراءات غير المسبوقة تكشف عن توجه مصري نحو مزيد من التقارب مع “حماس”، ومد نفوذ القاهرة بشكل أقوي في غزة، وهو ما يتطلب تنسيقا وعلاقات قوية مع الحركة.

ولذا كانت مبادرة إعادة الإعمار، التي أثارت تساؤلات بشأن قدرة مصر على الإيفاء بها في ظل اقتصاد يحتاج لتلك الأموال.

وتؤكد دعوة هنية لزيارة القاهرة رغبة مصر في تنسيق سياسي أكبر مع “حماس”، بعد أن استطاعت القاهرة أن تكون مفتاح وقف إطلاق النار.

وبالتالي، أصبحت مصر تلعب دور وسيط سياسي بين “حماس” والولايات المتحدة، وهو تطور جديد ودور مصري تحتاجه واشنطن، في ظل عدم تواصلها مباشرة مع “حماس” وعلاقاتها الاستراتيجية مع القاهرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.