كيف تطورت العلاقة بين الهند وإسرائيل وصولاً إلى حرب غزة؟
حتى عام 1992 كانت الهند من أبرز الدول غير العربية الداعمة للقضية الفلسطينية، وبعد ذلك التاريخ وبعد أن أقامت نيودلهي علاقات مع إسرائيل ، ظلت العلاقة مع تل أبيب تتسم بالسرية، حتى جاء مودي وأصبح صديقاً لنتنياهو.
وكان ناريندرا مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل بصورة رسمية وهو في منصبه، ورد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الزيارة في العام التالي، في أبلغ تعبير عن مدى عمق العلاقة التي تربط بين الزعيمين اليمينيين.
ثم جاءت حرب إسرائيل على قطاع غزة لتكشف عن مدى دقة الحبل المشدود الذي وجد مودي نفسه يسير عليه فيما يتعلق بعلاقة نيودلهي وتل أبيب، لأسباب تاريخية تتخطى علاقة الصداقة الخاصة بينه وبين نتنياهو.
ورصد تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية هذه العلاقة في تقرير بعنوان “مودي يسير على حبلٍ سياسيٍّ مشدود مع إسرائيل”، ألقى الضوء على المسار السياسي للهند فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من الدعم المطلق إلى الانحياز لإسرائيل من جانب مودي.
موقف هندي منحاز لإسرائيل
ففي تغريدةٍ نشرها الأسبوع الماضي، قال ت. إس. تيرومورتي، الممثِّل الدائم للهند لدى الأمم المتحدة، إن الهند تدين “جميع أعمال العنف، وخاصةً الهجمات الصاروخية من غزة“.
هذه التغريدة، التي تبدو دبلوماسية في طبيعتها، جاءت في وقت كان مجلس الأمن الدولي يسعى إلى إصدار بيان لوقف إطلاق النار منذ صعدت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة بصورة أثارت انتقادات غير مسبوقة بحق تل أبيب، وتدخلت الولايات المتحدة أربع مرات لمنع صدور بيان أو قرار من مجلس الأمن لوقف الحرب، وفي النهاية أجبرت المقاومة إسرائيل على أن تقبل وقف إطلاق النار بوساطة مصرية.
وفي ظاهر الأمر، قد يبدو التصريح الهندي وكأنه تعليقٌ عادي نسبياً بعد أيامٍ من تصاعد وتيرة الحرب بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن بالنسبة للمراقبين عن كثب للعلاقة بين الهند وإسرائيل، لم يكن ذلك التصريح أقل من كونه مثيراً للاهتمام، ما يؤكِّد كيف تطوَّرَت الشراكة الهندية الإسرائيلية منذ نهاية الحرب الباردة.
تطور العلاقة بين الهند وإسرائيل
فطوال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، دعمت الهند بشكلٍ لا لبس فيه القضية الفلسطينية، وأبقت إسرائيل على مسافةٍ مدروسةٍ منها. لكنها في هذا التصريح الأخير خرجت عن طريقها وحدَّدَت في إدانتها الهجمات الصاروخية من الجانب الفلسطيني. وفي المقابل أكَّدَت التصريحات الهندية على الصعوبة التي تواجه الدبلوماسية الهندية في تحقيق التوازن.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1947، صوَّتت الهند ضد تأسيس دولة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة. كانت الأسباب مُعقَّدة، ونبعت جزئياً من عدم ارتياح النخبة القومية في الهند ما بعد الاستعمار، بشأن إقامة دولة استيطانية في عهد الانتداب البريطاني السابق على أرض فلسطين.
وكانوا كذلك حسَّاسين إزاء مشاعر السكَّان المسلمين الكثيرين في الهند، أولئك الذين لم يتعاطفوا مع إنشاء دولة يهودية في العالم العربي. وأخيراً شعر بعض القادة الهنود أيضاً أنهم لا يستطيعون المصادقة على دولةٍ تتأسَّس على أسسٍ دينية، خاصةً بعد فترةٍ وجيزةٍ من التأسيس العنيف لدولة باكستان، وهي التي عارضوها بشدة.
واعترفت الهند رسمياً بإسرائيل في العام 1950، لكنها ظلَّت ترفض الدخول في علاقاتٍ دبلوماسية كاملة معها، واعتقدت أن هذا الاعتراف لن يكون له دورٌ سيئ في السياسة الداخلية في البلاد فحسب، بل سيؤدِّي أيضاً إلى تردُّدٍ في مواجهة الكتلة العربية الواسعة في حركة عدم الانحياز، التي ساعدت الهند في تأسيسها.
وظلَّت العلاقة بعيدةً نسبياً في العقود التالية، رغم العديد من المبادرات من جانب إسرائيل، بما في ذلك الدعم العسكري للهند خلال حربي 1965 و1971 مع باكستان.
بدأت العلاقات تأخذ منحنى دافئاً فقط في أواخر السبعينيات، خلال فجوةٍ قصيرةٍ حين صُوِّتَ على خروج المؤتمر الوطني الهندي، الحزب السياسي المهيمن منذ فترةٍ طويلة، من السلطة. في أغسطس/آب 1977، قام موشيه ديان، الجنرال السابق الذي كان يشغل منصب وزير خارجية إسرائيل، برحلةٍ سرية إلى الهند للقاء رئيس الوزراء الهندي آنذاك مورارجي ديساي.
لكن حتى في تلك الاجتماعات، لم يحدث إلا القليل، إذ لم تدم حكومة ديساي، وعاد حزب المؤتمر أخيراً إلى السلطة في 1980، واستأنف موقفه المتمثِّل في نبذ أيِّ مشاركةٍ عامة لإسرائيل.
وفي أعقاب مؤتمر مدريد عام 1991 -وهي تلك المحاولة التي دشَّنها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لاستئناف عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين- وما تلاه من انفراجٍ قصير بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، انتهزت نيودلهي الفرصة في يناير/كانون الثاني 1992 من أجل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل وفتح سفارة في تل أبيب.
علاقة خاصة بين مودي ونتنياهو
ومنذ ذلك الحين تطوَّرَت العلاقات الهندية الإسرائيلية بشكلٍ مُطرَد، خاصةً حين يتعلَّق الأمر بالاتصال بين قادة البلدين، وشراء الأسلحة، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
والآن يتمتَّع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعلاقةٍ وثيقة، حتى إن مودي أصبح أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل في منصبه في عام 2017، وهي لفتةٌ ردَّها نتنياهو في العام التالي. وهذه الزيارات، التي استُكمِلَت بشراء مودي 250 قنبلة من طراز سبايس-2000 من أنظمة رافائيل الإسرائيلية في وقتٍ سابق في ولايته، كانت في تناقضٍ حاد مع النهج الأكثر سرية الذي تبنَّته الحكومات السابقة.
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من ذلك، لم تتنصَّل الهند قط من فلسطين، ولم تعترف بها أيضاً. أثناء نضال الهند من أجل الاستقلال عن البريطانيين دَعَمَ القوميون الهنود القوميين الفلسطينيين، وهو الموقف الذي قاد الهند المستقلة حديثاً إلى دعم إنشاء دولة فلسطينية فيدرالية مستقلة في الأمم المتحدة (مع ضمانات دستورية للأقلية اليهودية). ومع ذلك، بعد إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، والصراع العربي الإسرائيلي الذي تلا ذلك، كانت الهند حذرةً للغاية في تعاملاتها الدبلوماسية مع مختلف الكيانات التي أعلنت أنها ممثِّلةٌ للشعب الفلسطيني. على سبيل المثال، قرَّرَت الهند عدم الاعتراف بحكومة عموم فلسطين في عام 1948.
تغيَّرَ هذا في السبعينيات، عندما طوَّرَت الهند علاقاتٍ قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية. كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بسلطة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها “الممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” في عام 1974، وفي عام 1975 أُنشِئ مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في نيودلهي، وأُقيمَت علاقاتٌ دبلوماسية كاملة في مارس/آذار عام 1980. كانت الهند مرةً أخرى أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين، حين أُعلِنَت في نوفمبر/تشرين الثاني 1988.
في الآونة الأخيرة، في عامي 2015 و2016، امتنعت الهند عن دعم قرارٍ ترعاه فلسطين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لبدء تحقيقٍ بالمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال حرب غزة 2014، لكن الهند أيضاً لم تتخلَّ عن دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستمرَّت في دعمها الدبلوماسي لحل الدولتين.