شراء الطعام في لبنان عن طريق مقايضة وبيع المقتنيات
جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب لبنان باتت مسألة شراء الطعام في الأشهر الأخيرة لكثير من اللبنانيين تتم بعد بيعهم مقتنياتهم الخاصة حتى يوفروا ما يمكنه أن يسد رمق أسرهم من الجوع.
فجملة “لا نملك شيئًا لنخسره” تختصر مدى الظروف الصعبة التي يعيشها سكان البلد، سيما مع فقدان الكثيرين لأعمالهم بسبب أزمة وباء كورونا التي ضاعفت المعاناة على معاناة، ليعرضوا أغراضهم الشخصية والبيتية للبيع.
التضحية بأي شيء يملكه
بألم كبير يروي سمير معاناته، وهو والد لطفلين، ثلاث سنوات وسنتان، مؤكدًا على عجزه شراء الحليب لأبناءه، فعمله في إحدى المؤسسات براتب 400 ألف ليرة، يخصصه لدفع إيجار منزله بمنطقة السويقة في طرابلس.
وبحسب موقع (اندبندنت عربية) يقول سمير إنه مستعد “للتضحية بأي شيء يملكه” في سبيل الحصول على الحليب، خصوصاً أن أحد أبنائه يعاني من التحسس حيال أنواع محددة من الغذاء، وكان يشتري له علبة الحليب الخاص التي أصبح ثمنها مئة ألف ليرة حالياً، بعد ارتفاع سعر الدولار. لذلك قدم تنازلات واشترى نوعية تجارية “العلبة الكبيرة بـ80 ألف تكفي الولدين لأسبوع، بينما القديمة كانت تغذي المريض ليومين فقط”.
بيع مقتنيات لأجل الطعام
عدد كبير من الأشخاص يجتمعون في ساحة التل وسط مدينة طرابلس لبيع مقتنياتهم المنزلية، ودون تردد يؤكد غالبيتهم إنهم باعوا غالبية مقتنياتهم، ليس من أجل شراء الطعام المغذي، بل لشراء خبز أو القليل من البرغل.
لبشير الحلو قصة مؤلمة حيث يحلف الرجل الكبير في السن أنه لا يملك في جيبه سوى 250 ليرة لبنانية يوضحها للناس، لاجئًا إلى الله حتى تيسر أموره، كما يحذر هذا الكهل من إمكانية الوصول إلى مرحلة أن يضطر الناس إلى السرقة والهجوم على بعضهم البعض بعدما تنتهي مقتنياتهم.
ويمثل الحلو شريحة من كبار السن في لبنان، الذين تقاعدوا وليس لديهم أي مدخرات أو مورد دخل كافٍ.
لبنان أمام كارثة الجوع
ولعلم الاجتماع رأي في هذا الجانب، بحيث تقول المتخصصة في علم الاجتماع سوزان منعم، إن “اللبانيين اليوم باتوا يعيشون بقاعدة كل يوم بويمه”، مرجعة ذلك لعدة أسباب، منها الجائحة وفقدان العمل، والظروف السياسية والامنية.
وأكدت بان دراسات على أرض الواقع تم أجراءها، أبانت لهم مخاطر جمة، فهنالك بعض العائلات تعيش على حزمة من الخبز وعلبة تونة، ما يشير إلى ظهور مصطلح “الفقراء الجدد“.
لا تندهش منعم من “قيام الناس ببيع السجاد لشراء الحاجات الأساسية”، وتحمل غياب السياسات الاجتماعية مسؤولية ذلك.
هبوط مستوى المعيشة في لبنان
أما الخبير الاقتصادي اللبناني دان قزي، فيعتقد، أن لبنان أمام هبوط في مستوى المعيشة يؤثر على كل الطبقات الاجتماعية، فالطبقة الغنية، وفقًا لغزي، أصبحت غير قادرة على سحب ودائعها البنكية.
ويحذر من سياسة الدعم التي تنتهجها الحكومة بدعم بعض السلع الاستراتيجية كالقمح والوقود والأدوية، مشيرًا إلى أن هذا الدعم تستفيد منه الطبقة الغنية على حساب أشخاص هم في حوجة ماسة.
ويقول غزي: “استمرار الدعم ونزف الدولار، سيؤدي إلى انقطاع الكهرباء بفعل عدم توفر القدرة على شراء الفيول”، مقدمًا مقترح لدعم الفقراء مباشرة عن طريق إنشاء شبكة أمان اجتماعية.
خمس سنوات للتعافي
يرى الخبير الاقتصادي دان غزي بأن الاقتصاد اللبناني بحاجة إلى فترة لا تقل عن خمس سنوات حتى يحدث له التعافي، لكنه يضع شرطًا لهذا التعافي، بأن يتم التوزيع العادل للخسائر وتشكل حكومة متخصصة، متنح الأحزاب فرصة المشاركة، وفقًا لصلاحيات شرعية.
وكشف غزي بان نسبة البطالة في لبنان لم تقل عن 30% منها 50% في فئة الشباب، الذين يطمحون للهجرة حتى ينفقوا على أسرهم المتواجدة في لبنان.