هل أطلقت السعودية النار على نفسها والأشقاء في سوق النفط؟
كورونا تهوي بأسعار النفط في وقت فرض فيه التقشف نفسه على العالم العربي، غير أن السعودية وجهت ضربة شبه قاضية لهذه الأسعار، فهل ستنجو الرياض والدول العربية الأخرى من تداعيات ذلك أم ستأتي الحسرة في وقت لا ينفع فيه الندم؟.
فيروس كورونا يفتك بالبورصات والأسواق وأسعار النفط تنهار هذا الانهيار بدأ مع تداعيات الفيروس على الاقتصاد الصيني ومن ثم العالمي، غير أنه هبط إلى مستويات قياسية بفعل قرار سعودي بزيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا وخفض سعر البرميل بمبلغ يصل إلى 8 دولارات كخطوة أولى لتعويم السوق النفطية المتخمة أصلا. ولا تأتي هذه التخمة بسبب تراجع الطلب الصيني والآسيوي وحسب، بل أيضا بسبب زيادة الصادرات النفطية للولايات المتحدة التي لا تلتزم بتخفيضات “أوبك+” وهي ترفض التنسيق معها. وهو الأمر الذي أودى بسعر البرميل نحو 30 دولارا بعدما كان بحدود 68 دولارا بداية العام الجاري 2020. وبما أن السعودية تعتمد على إيرادات النفط بنسبة تزيد على الثلثين في إيراداتها، فإن القرار يبدو كمن يطلق النار على قدميه أو ركبتيه كما يقول مثل ألماني. وبالنسبة للدول العربية التي تعتمد على النفط أكثر من السعودية كالعراق وليبيا فإن التبعات السلبية عليها بسبب القرار السعودي أقسى بكثير.
رد ثأري
يعتبر غالبية بحسب تقرير لدي دبليو المحليين أن القرار السعودي جاء كرد ثأري مفاجئ على رفض روسيا مطالب الرياض ومعها أوبك بخفض الإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل يوميا لمواجهة تبعات وباء كورونا التي أدت إلى تراجع الطلب. وجاء الرفض الروسي بحجة أن واشنطن كانت حتى الآن المستفيد الأكبر من تخفيضات “أوبك+” التي أدت إلى بقاء الأسعار أعلى من 60 دولارا للبرميل. وهو الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بزيادة إنتاجها من النفط الصخري وضخ 15 مليون برميل يوميا لتسبق بذلك السعودية وروسيا. وهذا ما مكنها من زيادة صادراتها والحصول حصة إضافية في السوق العالمية على حساب الدول التي خفضت إنتاجها طوعيا أو اضطرت إلى ذلك بسبب العقوبات الأمريكية مثل إيران وفنزويلا. ومما لاشك فيه أن لموسكو أهدافا سياسية من وراء الخطوة، لاسيما وأن واشنطن فرضت على شركات الطاقة الروسية عقوبات بسبب خط غاز “نورد ستريم 2″ (السيل الشمالي 2”) الذي يصل إلى ألمانيا تحت مياه بحر البلطيق والذي تعارضه الولايات المتحدة بشدة.
الضرر للجميع
الملفت في الأمر والغريب إلى حد ما أن معظم الآراء تنظر إلى انهيار الأسعار والحرب الحالية المستعرة في سوق النفط على أنها حرب نفطية سعودية ضد روسيا. غير أن الوقائع تقول بأنه لا يمكن وصف الأمر بهذه البساطة، لأن انهيار الأسعار لا يضر بروسيا أو إيران وفنزويلا وحسب، بل أيضا وبشكل أكبر بالسعودية نفسها وبجميع الدول العربية النفطية الأخرى كالعراق والكويت والإمارات وليبيا. ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى أن هذه الدول تعتمد في توفير إيراداتها على عائدات النفط بنسب تتراوح بين 65 إلى 95 بالمائة، مقابل أقل من 40 بالمائة لروسيا. وبالنسبة لمنتجين ومصدرين آخرين كالولايات المتحدة فإن تدني الأسعار إلى مستوى أقل من 40 دولارا للبرميل يدمر قطاع النفط الصخري الذي لا يغطي تكاليف الحفر والإنتاج بهذا السعر. ومن هنا فإن الحرب النفطية الحالية تبدو في المدى المنظور على الأقل حربا سعودية ضد الأشقاء وضد النفط الصخري كذلك.