هل تعتمد واشنطن على مقاتلين اوكران لتحقيق أهدافها في السودان؟

انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي صورة لمواطن سوداني يحمل بطاقة جندي اوكراني عثر عليها في مناطق شهدت اشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم قبل عدة أيام، وكانت تقارير إعلامية غربية قد تحدثت قبل عدة شهور عن تواجد قوات اوكرانية في الخرطوم لتنفيذ بعض المهام الخاصة وعمليات فنية لصالح القوات المسلحة السودانية.

لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب قد فقدوا الكثير من تأثيرهم على دول افريقيا التي لا طالما كانت تعتبر مستعمرات تابعة لها، وأصبحت بعض الأنظمة والسلطات في الدول الأفريقية تعارض السياسات الامريكية بشكل واضح، وفي السودان لا يختلف الأمر كثيرًا، فبعد سقوط نظام عمر البشير في نهاية 2019 بعد حكم استمر لقرابة الثلاثين عامًا، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة للتدخل في شؤون إدارة البلاد سواء عن طريق دعم بعض الأطراف المدنية أو العسكرية للوصول الى أهدافها وتحقيق مصالحها.

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تستغل النظام الأوكراني وحاجته الماسة للدعم المالي والعسكري، وبذلك تقوم بإرسال قوات أوكرانية للمشاركة في الحرب الاهلية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في السودان ولمحاربة النفوذ الروسي المتنامي في القارة السمراء، وذلك بالتعاون مع الاستخبارات الأوكرانية، وهذا يدل على وصول الإدارة الأمريكية الى استنتاج مفاده خسارة المعركة مع روسيا وسعيها للاستفادة من القوات الاوكرانية المدربة خلال السنوات الماضية في تحقيق أهدافها في مناطق اخرى.

قبل عدة شهور كانت شبكة “سي إن إن” الأميركية قد نشرت تقرير عن تواجد قوات خاصة أوكرانية في العاصمة السودانية الخرطوم، ونفذت على الأرجح نفذت سلسلة من الهجمات باستخدام طائرات مسيّرة، إضافة إلى عملية برية، ضد قوات الدعم السريع في السودان، وأشارت هذه التقارير أن التواجد الاوكراني بتوصيات أمريكية كان لمجابهة النفوذ الروسي.

ظهر مصطلح الحرب بالوكالة حديثا من خلال استخدام القوى الكبرى أطرافا محلية في إطار الصراعات الإقليمية أو حتى المحلية، والهدف الأساسي أن تلك الدول الكبرى لا تريد أن تتورط مباشرة في أي مواجهة عسكرية تكون لها نتائج وتداعيات مباشرة على أمنها القومي أو حتى جرها إلى حرب مباشرة لا ترغب في خوضها. كما أن هناك حروبا بالوكالة ظهرت خلال العقود الأخيرة، وهي المشاركة في تلك الحروب بشكل غير مباشر بل وتحرض الأطراف الإقليمية أو المحلية في استمرار تلك الحروب والصراعات ليس بهدف الحرص على مصالح تلك الأطراف المتحاربة ولكن الهدف الأساسي هو تحقيق مصالح متعددة قد تكون اقتصادية وهو الهدف الأساسي أو مصالح استراتيجية أو أمنية أو بهدف زعزعة الاستقرار في إقليم جغرافي محدد لمواجهة قوى كبرى أخرى، ومن هنا سجلت الحروب والصراعات ما بعد الحرب العالمية الثانية ظهور الحروب بالوكالة، ولعل عددا من الحروب في دول جنوب شرق آسيا كانت في ظاهرها حروبا محلية، ولكن كانت واقعيا حروبا بالوكالة، فالحرب الكورية التي تواصلت منذ ١٩٥٠ حتى ١٩٥٣ كانت حربا بالوكالة كانت الولايات المتحدة الأمريكية أحد الأطراف والاتحاد السوفييتي السابق أحد الأطراف الأخرى، وانتهت تلك الحرب بتقسيم كوريا إلى شطرين كما هو الحال الآن، وهما كوريا الجنوبية ذات النظام الاقتصادي الرأسمالي، وكوريا الشمالية ذات النظام الاشتراكي اليساري.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه خلال المعارك في السودان، أظهر الجيش الأوكراني احترافية وفائدة أكبر بالمقارنة مع الجيش السوداني. ولذلك تقرر زيادة عدد الجنود الأوكران في السودان، وبالتالي أوكلت واشنطن هذه المهمة إلى القيادة الأوكرانية. وتم تحديد هذا الشرط بشكل غير رسمي كواحد من عدد كبير من الشروط لمواصلة تمويل النظام الأوكراني من قبل الولايات المتحدة. وتم التركيز وبشدة على ضرورة إبقاء هذه الإتفاقات سرية، حتى يبدو أن إرسال الأوكرانيين إلى السودان وكأنه قرار اتخذته مديرية الاستخبارات الأوكرانية دون أي تدخل خارجي، وهذا بالفعل ما عكسه رئيس مديرية المخابرات في عدة تصريحات إعلامية.

لجأت القيادة الأمريكية الى الجيش الأوكراني بعد ان تم تدريبهم على ايدي خبراء للقتال ضد روسيا وفي إطار الدعم الامريكي لاوكرانيا، وبذلك تضمن امريكا وجود جنود محترفين بجانب الجيش السوداني الذي أظهر ضعف وهشاشة أمام قوات الدعم السريع. ومن المفترض أن تكون العملية الكبيرة التالية التي قد يتم إرسال الأوكرانيين إليها هي عملية برية ضد الحوثيين في اليمن، وهي عملية ترى فيها واشنطن ولندن بأنهما ليستا مستعدتين للقيام بها بجيشيهما.

تعتقد الإدارة الأمريكية أن الحفاظ على مصالحها في الشرق الاوسط وفي افريقيا أصبح أولوية وبحاجة الى تكثيف كل الجهود للوصول الى النتائج المطلوبة، حتى وأن كان ذلك على حساب الدعم العسكري والمالي لاوكرانيا في مواجهة روسيا، خصوصًا بعد اقتراب انتهاء الصراع هناك لمصلحة روسيا بعد فشل الهجوم الأوكراني الاخير والذي استمر لعدة شهور بلا اي نتائج على الأرض، مما ادى الى فقدان الثقة بتحقيق أي نتائج أيجابية وبدأت واشنطن بإقناع نظام كييف بضرورة الجلوس والتفاوض مع الجانب الروسي.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.