أطلال سورية تشهد مرور 50 عاماً على حكم عائلة الأسد

0

بدأ حكم عائلة الأسد في سوريا قبل نصف قرن، من خلال آخر انقلاب عسكري في البلاد، واليوم تشهد الأطلال ونصف مليون قتيل وعدة ملايين لاجئ ونازح على ما حملته هذه الحقبة.

صحيفة The Washington Post الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “أطلال سوريا تشهد مرور 50 عاماً على بداية حكم عائلة الأسد”، رصد تاريخ حكم حافظ الأسد وصولاً إلى ابنه بشار، وتداعيات نظام الكليبتوقراطية الفاسد الذي تم فرضه على البلاد.

آخر انقلاب عسكري

في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، شنَّ ضابط شاب في سلاح الجو من التلال الساحلية السورية انقلاباً غير دموي على السلطة. وكان هذا الانقلاب هو الأخير في سلسلة متوالية من عمليات الاستيلاء على الحكم العسكرية منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1946، ولم يكن هناك سبب للاعتقاد أنها ستكون الأخيرة، لكن مرت 50 عاماً، ولا تزال عائلة حافظ الأسد تحكم سوريا.

ويرقد البلد اليوم في حالة خراب جرّاء عقدٍ من الحرب الأهلية التي أسفرت عن مقتل نصف مليون شخص، وتشريد نصف السكان، والقضاء على الاقتصاد، وفقدت الحكومة السيطرة على مناطق بأكملها، لكن نجل حافظ، بشار الأسد، يحتفظ بقبضة لا تتزعزع على ما تبقّى منها.

ويختلف حكم بشار، الذي قضى نصفه في الحرب، عن حكم والده في بعض النواحي؛ إذ يعتمد على حلفاء مثل إيران وروسيا بدلاً من إبراز القومية العربية، ويسوده نظام الكليبتوقراطية الفاسد (حكم اللصوص) بدلاً من الاشتراكية، ومع ذلك يستخدم بشار الأدوات نفسها: القمع، ورفض التسوية، وإراقة الدماء بوحشية (حسب ماجاء في التقرير).

وعلى غرار عائلة كاسترو في كوبا وأسرة كيم في كوريا الشمالية، ربط آل الأسد اسمهم ببلدهم على النحو الذي استطاعه عدد قليل من الحكام غير الملكيين.

وقال نيل كويليام، زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس): “ليس هناك شك في أنَّ الأعوام الخمسين من حكم عائلة الأسد، التي اتسمت بالوحشية والقسوة والتدمير الذاتي، تركت الدولة في حالة لا يمكن وصفها إلا بالانكسار، وكادت تتوارى طي النسيان”.

ماذا قال بيل كلينتون عن الرئيس الراحل حافظ الأسد؟

بعد استيلاء حافظ الأسد على مقاليد الحكم في 1970 عزَّز سلطته؛ فقد عيَّن أعضاء من طائفته العلوية في مناصب رئيسية، وأسس دولة بوليسية ذات حزب واحد على النمط السوفييتي، وكانت قوته مطلقة، ونشر رجال مخابراته في كل مكان.

وحوَّل سوريا إلى مركز قوة في الشرق الأوسط، وفي العالم العربي اكتسب حافظ الاحترام، بسبب موقفه المتصلب من مرتفعات الجولان الاستراتيجية، التي خسرتها سوريا لصالح إسرائيل في حرب 1967. وشارك في محادثات سلام بوساطة الولايات المتحدة، وبدا أحياناً أنه يلين فقط لإحباط الأمريكيين من خلال الانسحاب والمطالبة بمزيد من الأراضي.

وكتب عنه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الذي التقى بالأسد عدة مرات، في مذكراته: “لقد كان رجلاً وحشياً لكن بارع، وقضى ذات مرة على قرية بأكملها لتلقين خصومه درساً”، ويشير كلينتون هنا إلى ما شهده العام 1982 في حماة، حيث قتل الجيش السوري الآلاف (ممن تم وصفهم بالإرهابيين حينها) لسحق انقلاب الإخوان المسلمين.

وخلَّفت المذبحة، وهي واحدة من أكثر المذابح شهرة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، أحقاداً ربما تكون السبب في اشتعال الانتفاضة الأخيرة ضد الرئيس الحالي بشار الأسد.

وقال سام داغر، مؤلف كتاب “الأسد أو نحرق البلد.. كيف حطم سوريا تعطش عائلة للسلطة؟”، “أحد العناصر الأساسية لبقاء نظام الأسد هو عدم التساهل في الشأن الداخلي، واستغلال التغيرات الجيوسياسية إقليمياً وعالمياً، والمماطلة حتى يستسلم أعداؤك”. 

عهد الرئيس بشار الأسد

استعان الرئيس بشار الأسد بالكثير من قواعد اللعبة هذه بعد وفاة والده في عام 2000، لكن يقول النقاد إنه على عكس والده، أضاع الفرصة تلو الأخرى، وتمادى في الكثير من تصرفاته.

ولاقى بشار في البداية ترحيباً باعتباره إصلاحياً ومُحدِّثاً؛ إذ جعل سوريا مفتوحة، وسمح بالمناقشات السياسية، لكن سرعان ما تراجع مع مواجهة تحديات وعالم سريع التغير، بدءاً من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في أمريكا.

فقد عارض الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، خشية أن يكون هو التالي، وسمح لمقاتلين أجانب بدخول العراق من أراضيه؛ ما أجج التمرد ضد الاحتلال الأمريكي وأثار غضب الأمريكيين.

ومثل والده، رقَّى بشار الأسد عائلته في المناصب، ليحيط سلطته بجيل أصغر وأكثر حداثة، لكن ينظر إليه العديد من السوريين على أنه أكثر جشعاً في تكديس الثروة، ثم جاء التحدي الأكبر لعائلة الأسد مع انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، ووصلت سوريا في مارس/آذار 2011.

وفي كثير من أنحاء العالم، أصبح بشار الأسد منبوذاً، لكنه تمكن من تصوير الحرب ببراعة على أنها خيار بين حكمه العلماني والمتطرفين الإسلاميين، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية، وأصبح الكثير من السوريين وحتى الدول الأوروبية مقتنعين بأنه أهون الشرّين.

وفي النهاية، قضى فعلياً على التهديد العسكري ضده. ومن المؤكد أنه سيفوز بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها، هذا العام، في المدن والمناطق المتبقية من سوريا التي يحكمها.

ومع ذلك، يقول داغر إنَّ الحرب غيرت السوريين بطرق لا يمكن عكسها، وقد يؤدي الانهيار الاقتصادي والصعوبات المتزايدة إلى تغيير الحسابات، وأضاف: “لقد تنبّه جيل كامل من الناس الذين سيجدون في النهاية طريقة لاستعادة البلاد ومستقبلهم”.

ومع بدء ظهور الانتخابات الأمريكية، انتشرت ميمات من المعارضة السورية، تسخر من بقاء عائلة الأسد في الحكم طوال عهود 9 رؤساء أمريكيين منذ ريتشارد نيكسون.

وفي هذا السياق، كتب زاهر سحلول، الطبيب الأمريكي-السوري المقيم في شيكاغو، الذي غادر سوريا في عام 1989: “شهدت في حياتي رفاقي السوريين وهم يضطرون للتصويت أربع مرات للرئيس الوحيد في بطاقة الاقتراع: حافظ الأسد، ولا يزال ابنه رئيساً، بينما بعد هجرتي إلى الولايات المتحدة صوَّت لستة رؤساء مختلفين، أتمنى أن يشهد وطني انتخابات حرة يوماً ما”.

وقال نيل كويليام إنَّ إرث حافظ الأسد ربما كان سيبدو مختلفاً تماماً لو لم يجبر ابنه بشار على حذو حذوه، وأضاف: “سيخيم إرث بشار على إرث حافظ الأسد، وسيكون مرادفاً للقسوة والتدمير المتعمد لبلد عظيم ومعاملة شعب جميل بوحشية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.