نفوذ كبير للرياض في واشنطن!! ضغوطات كبيرة مارستها الرياض

الرياض واشنطن محمد بن سلمان
0

قالت صحيفة  The Guardian الأمريكية تعليقاً على نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أن حملة جو بايدن لإعادة حقوق الإنسان لقلب السياسة الخارجية الأمريكية، التي روج لها كثيراً، اصطدمت بحائط القوة الكبيرة للواقعية السياسية، بما فيها من نفوذ كبير للرياض في واشنطن، مثلما يحدث عادةً مع هذه الحملات.

وكما وعدت إدارة بايدن امتثلت للقانون الذي وضعه الكونغرس وتجاهلته الإدارة السابقة. ونشرت ملخصاً غير سري للتقييم الاستخباراتي الذي يقول إنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان” وافق” على قتل مؤيد الإصلاحات السعودي والصحفي في The Washington Post جمال خاشقجي، وتقطيع جثمانه أشلاءً.

وبالنسبة لمزاعم إدارة ترامب بأنها لا تستطيع نشر التقرير خوفاً من الكشف عن “مصادر وأساليب” وكالة المخابرات المركزية، كان التقييم الموجز استنتاجاً منطقياً من المواد المتاحة للجمهور. وضمت فرقة القتل المُكوَّنة من 15 عضواً سبعة مختارين من بين الحراس الشخصيين للأمير محمد بن سلمان. ومن ثم لم تكن مهمة تجسسية خطيرة، كما تقول الغارديان.

“حظر خاشقجي” لم يطل العقل المدبر لتصفية خاشقجي

 لم يكن ولي العهد مدرجاً في قائمة السعوديين الـ76 الذين فُرِضَت عليهم عقوبات بموجب “حظر خاشقجي” الجديد الذي كشف عنه وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، والذي يفرض قيوداً على التأشيرات الممنوحة للأجانب “الذين ينفذون أنشطة خطيرة مناهضة للمعارضة خارج الحدود الإقليمية، سواء قمع الصحفيين أو النشطاء أو غيرهم من الأشخاص الذين يُعتقَد أنهم منشقون بسبب عملهم، أو مضايقتهم، أو مراقبتهم أو تهديدهم أو إيذائهم”.

وفي حال تطبيقه بالكامل يمكن أن يؤدي “حظر خاشقجي” إلى طرد جماعي للدبلوماسيين وغيرهم من وكلاء الحكومة، ليس فقط من المملكة العربية السعودية بل أيضاً من دول أخرى كالصين، التي تورطت بقوة في ترهيب المواطنين الصينيين والأمريكيين الصينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة.

بيْد أنَّ الحظر هو رد فعل عام على جريمة محددة جداً، أفلت عقلها المدبر من العقاب، باستثناء اتهامه بالاسم وفضحه. وجمَّدت وزارة الخزانة الأمريكية أصول النائب السابق لرئيس المخابرات السعودية، ومنعت جميع التعاملات مع قوة التدخل السريع، المعروفة باسم فرقة النمر، لكن راعيها وقائدها الملكي، ولي العهد، لم يُمسَس به.

علاوة على ذلك، كما نوهت كريستين ديوان، الباحثة الأولى المقيمة في معهد Gulf States Institute، بأنَّ الحظر الذي فرضته إدارة بايدن “يميز بين القمع المحلي ومطاردته في الخارج”، ولا يُعاقِب إلا على الأخير صراحةً. 

عدم مساس العقوبات بولي العهد تؤكد النفوذ الكبير للرياض في واشنطن

كان تأكيد جو بايدن أن الأمير محمد وافق على قتل جمال خاشقجي إنهاءً واضحاً لحقبة الصداقة بين ترمب والزعيم الفعلي للمملكة، ومؤشراً على علاقة مختلفة تماماً مع الإدارة الجديدة.

لكن الرياض رأت في قرار الامتناع عن معاقبة ولي العهد إثباتاً للنفوذ الذي ما زالت تتمتع به حتى مع المسؤولين المعادين لها. فرغم نبذها، تظل طرفاً فاعلاً رئيسياً، وبالنظر إلى ما كان يمكن أن يحدث، كان الشعور السائد في العاصمة السعودية مساء يوم الجمعة هو الارتياح.

فالتقرير الذي طال انتظاره لم يفعل أكثر من إضافة اسم وكالة المخابرات المركزية إلى النتيجة شديدة الوضوح بأن الأمير محمد أقوى من ألا يأذن بعملية اغتيال نفذها أقرب مساعديه إليه. وفي أروقة السلطة في المملكة، اُعتبر أن هذه الوثيقة دقيقة الصياغة لا تقدم شيئاً لدعم نتيجتها الرئيسية.

ضغوطات كبيرة ومثمرة مارستها الرياض في واشنطن

ضغوط  مكثفة مارستها الرياض لإقناع الأمريكيين بأن فرض عقوبات على الأمير محمد سيولد قطيعة ويبدو أنها انتصرت اليوم. إذ أقر المسؤولون الأمريكيون بأن تكلفة الإجراءات الصارمة، التي خضعت لدراسة جادة في الأسابيع الأخيرة، باهظة للغاية. وكان الارتياح في البلاط الملكي جلياً.

أما بما يخص الرياض كان التناقض بين الأسابيع الأولى من ولاية ترامب والأسابيع الأولى لخليفته صارخاً. ففي أوائل عام 2017 كان الملك سلمان والأمير محمد يستعدان لاستقبال ترامب استقبال الأبطال الفاتحين، وإحياء صداقة تاريخية قطعها باراك أوباما بتحوله إلى إيران. وظل الأمير محورياً  لإدارة ترامب في المشهد الإقليمي؛ فكان بمثابة حصن لصد إيران، وراعياً لاتفاقات سلام بين البحرين والإمارات وإسرائيل، قد تنتهي بإقامة الرياض نفسها علاقات رسمية مع إسرائيل.

وبعد أربع سنوات وجد الأمير محمد نفسه مرة أخرى في مواجهة فضيحة اعتقد أنه تخلص منها. إذ انكشف مقتل خاشقجي عن طريق الميكروفونات التي أخفاها ضباط المخابرات التركية، وتسبب ذلك في حرج واضطراب بالغين، كما تقول الصحيفة البريطانية.

أما المحاكمة الصورية لفرقة الاغتيال التي أعقبت ذلك- جميعهم من المساعدين المقربين لولي العهد- فشوهت صورته وصورة المملكة. وكل هذا في الوقت الذي عرض فيه ترامب عليه تستراً كاملاً. 

استحالة تغيير محمد بن سلمان أدت إلى ظهور حل وسط

كان التقييم الاستخباراتي والإجراءات العقابية بمثابة لكمة ثنائية، لكن سُحِبَت اللكمة الثانية، وهو حل وسط نشأ من الواقع البارد المتمثل في أنَّ “أي أمل بأنَّ الملك سلمان سيخفض بطريقة أو بأخرى مرتبة الأمير محمد بن سلمان في خط الخلافة لصالح المملكة، هو مجرد حلم بعيد المنال”. إذ إنَّ مكانة ولي العهد راسخة بدرجة لن تسمح بحدوث هذا، إضافة إلى أنه في منتصف الثلاثينيات من عمره؛ مما يعني أنَّ حظوظه جيدة بأن يصبح قائداً سعودياً طوال جيل أو أكثر.

ويشير المسؤولون الأمريكيون إلى أنَّ “كل إدارة تتعامل تجارياً مع قادة ملطخة أيديهم بالدماء من أجل المصلحة الوطنية، بدءاً من فلاديمير بوتين وشي جين بينغ. وما يجعل الأمير محمد مختلفاً هو أنه من المفترض حليف استراتيجي رئيسي في الشرق الأوسط”. وتدير الولايات المتحدة خمس قواعد في السعودية. وفي ظل سعي إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي المُبرَم عام 2015 مع إيران (المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة)، تسعى إلى إظهار أنها ليست مهمة سهلة في المنطقة. وكانت الغارة الجوية مساء الخميس، 25 فبراير/شباط، على رجال الميليشيات المدعومة من طهران في سوريا، دليلاً على ذلك. ومثل باراك أوباما من قبله، سيحتاج بايدن إلى السعي للحصول على موافقة السعودية على الأقل وإلا سيخاطر بتوحيد النظام الملكي في المنطقة وفي الكونغرس لتخريب أي اتفاق مستقبلي.

أهمية السعودية كدولة يجعل من الصعب تجاهلها

قال ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية: “إذا أردنا إخراج السعوديين من اليمن، فسنحتاج إلى تعاونهم، ونحن بحاجة للعمل معهم على خطة العمل الشاملة المشتركة. إنها دولة كبيرة ومهمة يصعب للغاية تجنبها”. وهذا يؤكد نفوذ الرياض الكبير في واشنطن

وقدم أوباما دول الخليج بمبيعات أسلحة قياسية، وهو تكتيك ندم عليه العديد من المسؤولين الأمريكيين، الذين كانوا في إدارة أوباما وهم في الإدارة الحالية أيضاً، باعتباره تواطؤاً في عمليات القتل الجماعي للمدنيين اليمنيين.

وسعى فريق بايدن إلى تصحيح ذلك من خلال الإعلان عن إنهاء التدخل العسكري الأمريكي في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، لكن تخلل هذا القرار أيضاً منطقة رمادية. إذ ستبيع الولايات المتحدة أسلحة دفاعية لكن ليس أسلحة هجومية. لكن في الواقع التمييز بين الاثنين قابل للتأويل، كما تقول الغارديان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.