ليبيا ما بين شرعية حكومة الوفاق الوطني وطموحات حفتر
يستمر الصراع في ليبيا ،وذلك منذ بداية أحداث الربيع العربي التي تزامنت مع الحرب الأهلية الليبية الأولى ، ثم التدخل العسكري الأجنبي وصولاً لمقتل الرئيس السابق معمر القذافي .
أدت الثورة الليبية إلى انشقاق أفراد من الجيش النظامي وانضمامهم للثوار وللمعارضة ، وانشقت أيضا ألوية بأكملها عن الجيش الليبي بعد الثورة فشكلت كتائب وميليشيات وغيرها من الجماعات المسلحة التي تألف معظمها من عمال العاديين وطلاب جامعات .
و تشكلت بعض المجموعات المسلحة خلال الحرب ضد النظام وغيرها تطوّر في وقت لاحق لأغراض أمنية ، معظم الجماعات التي تشكلت بُنيت على أساس الولاءات القبلية، وكانت مختلفة إلى حد كبير في الحجم والقدرة والنفوذ ، في حقيقة الأمر؛ لم تكن هذه المجموعات المُسلحة متحدة كجسم واحد كما لم تكن على خلاف مع بعضها البعض، إلا أن الألوية الثورية التي كانت تُمثل الغالبية العظمى من ذوي الخبرة والمهارة القتالية والتوفر على والأسلحة قد طورت من نفسها فاشتبكت مع بعض الميليشيات والشبكات الإجرامية العنيفة المتطرفة والعصابات ثم تدخلت كتائب توفير الحماية على الخط فاندلعت حرب أهلية طاحنة بين كل الأطراف.
خليفة حفتر
احتل خليفة حفتر، الذي يقود قوات شرق ليبيا ويوصف برجل ليبيا القوي، واجهة التغطيات الإخبارية في الشأن الليبي مع زحف قواته للاستيلاء على العاصمة طرابلس مقر الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.
وقد ظل حفتر حاضرا طوال أكثر من أربعة عقود في المشهد السياسي الليبي، مبدلا موقعه بين فترة وأخرى.
فبعد أن كان لواءً متقاعدا منشقا عن نظام العقيد القذافي، عينه مجلس النواب الجديد (الذي حل محل المؤتمر الوطني العام) في عام 2015 قائدا عاما لما يعرف بـ “الجيش الوطني الليبي.
ولا تعترف حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة بهذا الجيش وتطالب بضم كل التشكيلات العسكرية والمسلحة في البلاد تحت أمرتها.
وكان حفتر عاد إلى ليبيا مع بدء الانتفاضة ضد القذافي في عام 2011، وأصبح واحدا من القادة الرئيسيين لقوات المعارضة التي كانت تتشكل في شرق البلد.
وقد تزايدت الخسائر البشرية في معركة السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس ، بعد تقدم قوات شرق ليبيا من محورين في الشرق والجنوب للسيطرة على المدينة.
واتهم فائز السراج، رئيس الوزراء الليبي، حفتر بمحاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية، مشددا على أن قوات الحكومة ستلاحق المسلحين التابعين لحفتر بكل حزم وقوة.
وتعتمد حكومة الوفاق الوطني، التي أُعلنت في مارس/ آذار 2016 ويقودها السراج، على مجموعة ميليشيات من أجل الحماية وضبط الأمن.
وتشير تقارير إلى أن حفتر ظل لوقت طويل يحظى بدعم من مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، لاسيما بعد أن أطلق في مايو/ أيار 2014، ما أسماها “عملية الكرامة” في بنغازي وفي الشرق ضد جماعات إسلامية مسلحة من بينها جماعات مقربة من الإخوان المسلمين، ونجاحه بتقديم نفسه على الساحة الخارجية باعتباره خصم الإسلاميين في ليبيا.
حكومة الوفاق الوطني
حكومة الوفاق الوطني الليبية هي حكومة منبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، والذي أشرفت عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بقيادة الألماني مارتن كوبلر بعد تكليفه بديلًا عن خلفه الإسباني برناردينو ليون.
وكان خليفة حفتر قد رفض في وقت سابق التعامل مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، بما يشير إلى عمق الخلافات التي تمزق البلاد بين سلطات قائمة في شرق البلاد ولها امتدادات في المنطقتين الغربية والجنوبية وأخرى تسيطر على العاصمة طرابلس والمناطق المجاورة وتحظى بدعم دولي.
يصل عدد المقاتلين الذين يعملون تحت مظلة خليفة حفتر إلى حوالي 30000 مقاتل، لكنهم يتوزعون على شكل ميليشيات ومجموعات غير نظامية لكل منها أجندتها الخاصة وطموحاتها، ما يجعلها كتلة غير صلبة ومتماسكة.
في المقابل، يتبع لقوات حكومة الوفاق الوطني عدد من المجموعات المسلحة، تشارك حالياً في صدّ هجوم حفتر، وتتمثل في 8 مجموعات رئيسية، وأبرزها ثوار ليبيا أو ثوار طرابلس، قوة الردع الخاصة لواء النواصي، قوة الردع الخاصة، لواء المحجوب، لواء المشاة الثالث والثلاثون أو كتيبة البقرة، قوات أبي عبيدة الزاوي، إلى جانب عدد كبير من المجموعات الصغيرة المسلحة.
أيضاً لا يوجد عدد محدد لهذه المجموعات، إلا أن المعلومات المتوفرة تشير إلى كل مجموعة يصل عددها لعدة آلاف.
ومع جمود الموقف العسكري على جبهة القتال في العاصمة الليبية طرابلس، بدأ الطرفان المتنافسان يعملان على نقل المعركة إلى ساحة النفط والمال في حربهما من أجل السلطة.
حاولت المؤسسة الوطنية للنفط أن تنأى بنفسها عن الصراع، إلا أن تعقيد العمليات العسكرية يدفعها الآن إلى واجهة الصراع.
تسيطر قوات حفتر على مناطق تحيط بمعظم البنية التحتية النفطية في البلاد، لكنها لا تستفيد بشكل مباشر من مبيعات النفط والغاز، وتقوم المؤسسة النفطية في نفس الوقت بتحويل إيرادات الطاقة إلى البنك المركزي في طرابلس، الذي يعمل فقط مع رئيس الوزراء فائز السراج.
لذلك بدأ حفتر باستخدام النفط كأحد الأدوات الاستراتيجية، فالتقى خلال الأيام الأخيرة مع اثنين من المسؤولين التنفيذيين بالمؤسسة الوطنية للنفط بشرقي البلاد، في مقره خارج بنغازي.
الدول الداعمة لحفتر
يبدو حفتر أقل حضوراً في الإعلام من السراج، إلا عبر ما يرتبط بلقاءات محدودة، تعكس حلفاء هذا الرجل، فقد التقى عاهل السعودية، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في الرياض، قبيل بدء هجومه على طرابلس، مقر حكومة الوفاق.
وبعد أيام من بدء هجومه، زار حفتر القاهرة، للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث ضمن تأييد الرئيس عبدالفتاح السيسي، لهجومه على طرابلس.
كما أن علاقته في الإمارات ليست خفية على أحد، فقد زارها أكثر من مرة والتقى بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
أما غربياً فيحظى حفتر حالياً بدعم فرنسي واضح، فقد نقل موقع «شبكة تونس الآن» أن مصادر إعلامية ليبية كشفت، الأحد، عن وجود مستشارين فرنسيين.
كما يتلقى حفتر تأييداً روسياً، وكان هذا الدعم حاضراً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عندما اعترضت موسكو على قرار يدعو حفتر وميليشياته، المسماة الجيش الوطني الليبي، إلى وقف تقدمهم ناحية طرابلس.
الدول الداعمة لحكومة الوفاق الوطني
تتلقى حكومة الوفاق الوطني الليبية دعماً أممياً، فقد اعترفت بها الأمم المتحدة، وحظيت باعتراف دولي.
أما أوروبياً فتوجد خلافات بين إيطاليا، الدولة المستعمرة لليبيا سابقاً، وفرنسا.
حيث تدعم إيطاليا، التي لها مصالح نفطية كبرى في ليبيا العضو في أوبك، حكومة طرابلس برئاسة رئيس الوزراء فائز السراج. وعبّرت عن غضبها من عدم رغبة فرنسا في مساندة قرار حديث للاتحاد الأوروبي يدعو حفتر لوقف تقدمه.
كما دعا الاتحاد الأوروبي قوات حفتر اليوم إلى وقف هجومها على العاصمة طرابلس، إلا أنه فشل في إصدار بيان بسبب خلافات فرنسا وإيطاليا.
قطر من جهتها دعت إلى فرض حظر فعال للسلاح على حفتر، وانسحاب قواته من المناطق التي سيطرت عليها في الآونة الأخيرة.
كما تؤيد تركيا حكومة طرابلس المعترف بها دولياً، وأعلنت على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، الذي قال إن ليبيا باتت تشكل مسرحاً لـ “سيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة.
صعوب حل الأزمة بعد استقالة غسان سلامة
استقال المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة من منصبة قبل شهر من الأن ، تاركاً الأزمة الليبية “معلّقة”، ومخلّفاً وراءه تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية لانسحابه من الملف الليبي وتداعيات ذلك على مسار العملية السياسية في ليبيا، ودلالات توقيت الاستقالة، الذي يتزامن مع بدء المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين طرفي الصراع بالبلاد في جينف، وتدهور الوضع على الأرض.
اختلفت القراءات والتحليلات لدوافعها، حيث رأى رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة الذي وصف استقالة سلامة بالخسارة لليبيا، أن المبعوث الأممي سئم مناورات أطراف الأزمة السياسية، التي تسعى جاهدة لإجهاض وإفشال جميع المسارات السياسية التي تمخضت عن مؤتمر برلين ونسف جميع أشكال الحل السياسي أو الحلول التوفيقية من خلال شروطها التعجيزية المسبقة، للدخول في المفاوضات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأخيرة.
رأى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أنّ تنحي سلامة لا يعني فشله شخصيا، بل فشل كل الليبيين، خاصة الأطراف الرافضة للتنازل التي كانت ولا تزال مصرة على إقصاء الخصوم سواء سياسياً أو عسكرياً.