إدلب .. التهجير ليس أثرًا للحرب وإنما هدفًا لها
دخلت الثورة السورية عامها العاشر ، ولا تزال تبعات النزوح الداخليّ وأزمة اللاجئين أحد أبرز آثار الحرب التي شنّها النظام السوريّ وحلفاؤه على السوريين، حتى باتت هذه الأزمة العنوان الأبرز في العقد الماضي نظرًا لما تبعها من مضاعفات سياسيّة واقتصاديّة.
هذا إضافة إلى اتباع دول مختلفة من العالم محاولات كبيرة لمنع موجات اللاجئين من الوصول إليها، سواء عبر إقامة جدران وأسوارٍ حدودية أو من خلال تشريع قوانين تمنع من استقبال اللاجئين وتخفف وتيرة وصولهم إليها؛ علاوة على تصاعد اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي الذي يتخذ موقفًا حازمًا من موجات اللجوء، كما أنه لا يرى مانعًا من ضرورة مواجهتها بالعنف -إن استدعى الأمر ذلك- بهدف الحفاظ على النسيج الثقافي للقارة.
ومع وصول أعداد اللاجئين في العالم إلى 25 مليون شخصٍ مهجّرٍ من بلده، ووجود نحو 41 مليونًا آخرين نازحين داخل أوطانهم؛ فإن ذلك يعني أن مشكلة اللاجئين باتت أزمة عالمية متناميةً، ممّا يعكس إخفاقًا دوليًا في حلّ الصراعات الموجودة بعدد من الدول، والتي يضطر بسببها المواطنون إلى الهروب نحو بلدان عديدةٍ من العالم بحثًا عن الأمان والاستقرار.
إدلب وتعمّد العنف المفرط
أفصح رئيس النظام السوريّ عدّة مرات عن الفائدة الأهمّ التي جنتها سلطته من حربه على الشعب السوري، حيث كسبت سوريا “مجتمعًا متجانسًا وصحّيًّا”؛ بحسب تعبيره. وهو ما يحيلُنا إلى أن التهجير ليس أثرًا للحرب وإنما كان هدفًا لها، ليتمكّن الأسد من تطهير قواعد سوريا من احتمالات معارضته والانقلاب على سلطته.
اتبعت الأجهزة الأمنية والقوات العسكريّة -منذ اليوم الأول للثورة- خطواتٍ عمليّةً لترسيخ عمليّة التطهير الطائفيّ في بعض المدن، وتأكيد طابع التهجير الجماعيّ في مدن أخرى؛ فكان حصار حمص القديمة وتهجير غالبيّة سكانها -جراء القصف العنيف والمستمرّ- مقدّمةً واضحةً لطريقة الأسد في تحقيق “التجانس” المزعوم، كما كانت حملات القصف العنيف خلال 2013/2014 على مدينة حلب وريفها عاملاً حاسمًا في خروج نحو مليون شخص من المدينة تجاه تركيّا.
12 مليون
واستمرّت عمليّات التهجير في تصاعدٍ إلى أن بلغ عدد السوريين اللاجئين في دول الجوار والغرب قرابة 12 مليون شخص؛ حيث أظهرت إحصائية لمفوضية شؤون اللاجئين -أواخر عام 2018- أن عدد اللاجئين السوريين في كل من تركيا ولبنان والعراق والأردن ومصر، وصل إلى 5,637,050 لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية.
وكان نصيب تركيا منهم 3,594,232 لاجئ بنسبة 63.8% من مجموع المسجلين، وفي لبنان 952,562 لاجئ بنسبة 16.9%، وفي الأردن 673,414 لاجئ بنسبة 11.9%، وفي العراق 251,793 لاجئ بنسبة 4.5%، وفي مصر 131,504 بنسبة 2.3%، وفي دول شمال أفريقيا نحو 33 ألف لاجئ بنسبة 0.6%.
إن هذه الأرقام المسجّلة تشكّل ورقة ضغط كبيرة بيد النظام وحلفائه على دول أوروبا عامّة وعلى تركيّا خاصة، وذلك -بطبيعة الحال- لإدراكهم حساسيّة ملفّ اللاجئين لدى صانعي القرار في الدول الديمقراطيّة التي تتشابك هذه القضايا فيها مع أطراف داخلية عديدة، إضافة إلى تأثيره الاقتصاديّ على الدول العربية المجاورة كالعراق والأردنّ ولبنان.
وفي إدلب؛ عمدت قوات النظام السوريّ وحليفتها روسيا بحسب الجزيرة نت إلى اتباع أقصى درجات العنف في استهداف الخطوط الخلفية والتجمّعات البشريّة منذ بدء حملتها الأخيرة في حزيران/يونيو 2019، وذلك بهدف تشكيل عاملٍ إضافيٍّ ضاغطٍ على مناطق شمال سوريا كمدينة إدلب ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يزيد عدد السكّان فيها على ثلاثة ملايين شخص رغم مساحتها الصغيرة.
ويضاف ذلك إلى نزوح قرابة مليون ونصف مليون شخص -بحسب تصريحات المسؤولين الأتراك – إلى القرب من الحدود التركيّة شمال المحافظة، وتوزّعهم في أكثر من مئتيْ مخيّم عشوائي على امتداد الحدود.
وقد استطاعت تركيّا في السابق استيعاب أعداد كبيرةٍ من اللاجئين، خاصّة أن أغلبية اللاجئين السوريين يقدّمون إضافةً للاقتصاد التركيّ، ويعتمد أغلبهم على مجهوداتهم في تأمين مقرّ إقامتهم والانخراط في سوق العمل، إلا أن ارتباط ملفّ اللاجئين السوريين في تركيّا بحساسيّة عاليةٍ -لدواعٍ موضوعيّة- زادَ تعقيد الحسابات لدى صانعي القرار، قبل الإقدام على خطوة فتح الأبواب لدخول اللاجئين إليها.