“تعدين البيتكوين” يحتاج كهرباء أكثر من دول بأكملها !!

بيتكوين
0

لم يتراجع الطلب على العملة الرقمية بالرغم من أن قيمتها قد تراجعت نحو بأكثر من 20% خلال أسبوع واحد، فلماذا يتطلب التنقيب عنها أو “تعدين البيتكوين” كمية من الكهرباء تتفوق على ما تستهلكه دول بأكملها؟

بعد أن وصل سعرالبيتكوين إلى أكثر من 53 ألف دولار، هبطت فجأة الأسبوع الماضي بنسبة تخطت 20% من قيمتها لتصبح نحو 46 ألف دولار، في مؤشر على مخاطر الاستثمار فيها، أو كما قال بيل غيتس: “لا تملكون ما يملكه إيلون ماسك“، في إشارة إلى استثمار ماسك وشركته تيسلا مليارات في البيتكوين واعتمادها كعملة مقبولة في التعامل مع الشركة مؤخراً.

ماهو “تعدين البيتكوين”؟

إنّ الارتفاع الجنوني في قيمة البيتكوين على مدار العام الماضي لم يكن هو السمة الوحيدة لتلك الظاهرة المالية الرقمية، إذ صاحبها أيضاً تضاعف الكم الهائل من الطاقة التي تستهلكها عملية التنقيب عنها.

لكن انخفاض سعرها الأسبوع الماضي لم يمنع استمرار الطاقة المستخدمة في إنشائها في الارتفاع خلال الصعود التاريخي لقيمتها، حيث بلغت الطاقة المستهلكة في إنتاجها ما يعادل البصمة الكربونية [مؤشر يقيس معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون على مختلف المستويات، من أفراد ومصانع ومنتجات ودول] السنوية للأرجنتين، وفقاً لمؤشر “كامبريدج لاستهلاك بيتكوين الكهربائي” Cambridge Bitcoin Electricity Consumption Index، وهو أداة عمل عليها باحثون في جامعة كامبريدج البريطانية لقياس استخدام العملة الرقمية للطاقة.

ومن المحتمل أن يكون الاهتمام المتصاعد أخيراً من مؤسسات وول ستريت المالية الكبرى، مثل “جيه بي مورغان” JPMorgan ومؤسسة “غولدمان ساكس” للخدمات المالية، قد ساهم في ارتفاع قيمة العملة إلى هذه الذروة، كما أن الدعم الأخير الذي تلقته من الملياردير ماسك، مؤسس شركة “تيسلا” Tesla، قد ساعد أيضاً في دفع مستويات الإقبال عليها مؤخراً، حيث يراهن المستثمرون على أن العملة المشفرة ستصبح أكثر انتشاراً في المستقبل القريب.

وفي حين أن الانخفاض الأخير لقيمة البيتكوين أفضى إلى تراجع بسيط في ثروة إيلون ماسك، فإن واقع الأمر أن عملة البيتكوين تشكل تهديداً جدياً آخر لمساعي شركة تيسلا المعلنة نحو “مستقبل خالٍ من الانبعاثات”، كما تطرح الاستثمارات فيها أسئلة وتحديات جادة أمام الحكومات والشركات التي تتطلع إلى الحد من الانبعاثات الكربونية الخاصة بها.

وفي هذا السياق، يعد “تعدين البيتكوين” -وهي العملية التي يتم فيها إدخال عملة البيتكوين لجهاز كمبيوتر يحل سلسلة معقدة من الخوارزميات وفك شفرات البيانات الخاصة بها- عمليةً كثيفة الاستهلاك للطاقة، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

إذ ينطوي “تعدين” البيتكوين على حل مسائل حسابية معقدة من أجل إنشاء عملات بيتكوين جديدة. ويكافأ “الـمُعدِّنين” (المسؤولين عن إنجاز العديد من العمليات ضمن شبكة حواسيب لإنتاج كتلة Block جديدة ضمن الخطوات الأساسية لتعدين البيتكوين) بعملة البيتكوين.

يُذكر أنه في وقت سابق من تاريخ البيتكوين القصير نسبياً -فقد تم إنشاء العملة الرقمية في 2009- كان بإمكان المرء تعدين البيتكوين على جهاز كمبيوتر عادي. لكن الطريقة التي أقيم على أساسها تعدين البيتكوين من قبل منشئ العملة (أو منشؤوها، فلا أحد يعرف حقاً من قام بإنشائها) تقتضي أن يكون هناك عدد محدود من عملات البيتكوين التي يُمكن تعدينها: 21 مليون عملة بيتكوين. وكلما زاد تعدين البيتكوين، زاد تعقيد الخوارزميات التي يجب حلها للحصول على عملات بيتكوين جديدة، ومن ثم الطاقة المستهلكة لحلها.

الكهرباء المستخدمة في تعدين البيتكوين

بعد أن تم تعدين أكثر من 18.5 مليون عملة بيتكوين، لم يعد بإمكان الكمبيوتر العادي تعدين عملات البيتكوين. بدلاً من ذلك، يتطلب التعدين الآن معدات حاسوبية خاصة يمكنها التعامل مع ضغط المعالجة المكثفة اللازمة للحصول على البيتكوين اليوم. وبالطبع تحتاج أجهزة الكمبيوتر ذات المواصفات الخاصة هذه إلى الكثير من الكهرباء لتشغيلها.

ويقول بنجامين جونز، أستاذ الاقتصاد في جامعة نيو مكسيكو الذي أجرى أبحاثاً عديدة حول التأثير البيئي لعملة البيتكوين، إن كمية الكهرباء المستخدمة لتعدين البيتكوين “فاقت بمعدلات غير مسبوقة [الكهرباء المستخدمة من قبل] بلدان بأكملها، مثل أيرلندا. نحن نتحدث عن عدة تيراواط (1210 واط)، عشرات التيراواط سنوياً من الكهرباء تستخدم فقط لإنتاج عملة البيتكوين… هذه كمية هائلة من الكهرباء”.

يقول مؤيدو عملة البيتكوين إن عملية التعدين أخذت تنحو على نحو متزايد إلى استخدام الكهرباء من مصادر متجددة، حيث الطاقة أرخص واستهلاكها أقل بكثير مصادر الطاقة الأخرى الأكثر إهداراً. ويمكن للطاقة المهدرة عن طريق الأجهزة المنزلية الموصولة دون تشغيل في الولايات المتحدة وحدها أن توفر الطاقة لعمليات تعدين البيتكوين لمدة 1.8 عام متواصلة، وفقاً لمؤشر كامبريدج لاستهلاك بيتكوين الكهربائي.

البيتكوين في الصين

يقول علماء البيئة إن تعدين البيتكوين لا يزال مدعاة للقلق، خاصة أن المعدِّنين سيذهبون إلى أي مكان تكون فيه الكهرباء أرخص، وهذا قد يعني الأماكن التي تعتمد على الفحم في إنتاج الطاقة. ووفقاً لمؤشر كامبريدج، تمتلك الصين أكبر عدد من عمليات تعدين البيتكوين مقارنة بأي بلد آخر حتى الآن. وفي حين أن الصين بدأ الاتجاه بالفعل، وإن ببطء، نحو الطاقة المتجددة، فإن نحو ثلثي الكهرباء في البلاد يأتي من الفحم حتى الآن.

ونظراً لعدم وجود هيئة حكومية أو مؤسسة تنظيمية تتعقب رسمياً أماكن تعدين البيتكوين ونوع الكهرباء التي يستخدمها المعدِّنين، فلا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانوا يستخدمون كهرباء تعتمد على الطاقة المتجددة أم الوقود الأحفوري.

ويقول كاميلو مورا، وهو أستاذ علم الجغرافيا والبيئة في جامعة هاواي: “يمكن نقل الأماكن التي تجري فيها عمليات تعدين عملة البيتكوين، وفي بعض الحالات، لا يُعرف حتى مكانها”.

وتشير تقديرات “مركز كامبريدج للتمويل البديل” إلى أن استهلاك البيتكوين السنوي للكهرباء يحوم فوق 115 تيراواط/ساعة (TWh)، في حين يذهب مؤشر Digiconomist الذي يتابع استهلاك العملة للطاقة متابعة كثيفة، إلى استهلاك يبلغ 80 تيراواط/ساعة. وفقاً للموقع، فإن معاملة واحدة من عملة البيتكوين لها نفس البصمة الكربونية لنحو 680 ألف معاملة بالفيزا الإلكترونية، أو نحو 51.210 من تشغيل موقع يوتيوب.

كما وجدت دراسة نشرها “مختبر أوك ردج” الأمريكي لبحوث الطاقة أن عملة البيتكوين التي تبلغ قيمتها دولاراً واحداً تستهلك 17 ميغا جول من الطاقة، أي أكثر من ضعف كمية الطاقة اللازمة لتعدين النحاس والذهب والبلاتين لقيمة دولار واحد. كما ذكرت دراسة بريطانية أخرى نُشرت العام الماضي أن الطاقة الحاسوبية المطلوبة لتعدين البيتكوين قد تضاعفت 4 مرات في عام 2019 مقارنة بالعام السابق، وأن تعدين البيتكوين بات له تأثير في أسعار الطاقة في بعض أسواقها والمرافق المستخدمة لها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.