لعبت روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال السنوات الماضية، دور فاعل في مساعدة الدول وشعوبها ومحاربة الإرهاب على أراضيها، لاسيما سوريا حيث كان لموسكو دور كبير في إنهاء تنظيم داعش الإرهابي، بجانب وإعادة السلام والأمن إلى المدن والمحافظات السورية.
وسط هذه الجهود الروسية في الشرق الأوسط ، تظهر أمامها أطماع الولايات المتحدة الأمريكية، القديمة الجديدة، ورغبتها بقطع يد الروس من المنطقة ومنطقة شمال افريقيا، من خلال تضييق الخناق عليهم سواء في سوريا أو ليبيا أو السودان.
وقالت مصادر مؤخراً، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل بشكل مشترك مع الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر بأنها الشريك الأمني الأقوى لواشنطن في منطقة الخليج العربي، على تخفيف النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط ، عبر وسائل غير شرعية وضخ المعلومات والأنباء المغرضة حول دور موسكو، في المنطقة لإجبارها على مغادرتها.
ضغوطات كبيرة على روسيا
وتستخدم واشنطن وأبوظبي لتحقيق أهدافها ضد موسكو، وسائل مختلفة تمارس من خلالها الضغوط على روسيا ، مثل دعم أجندات تابعة لهم وتوجيه الوسائل الإعلامية لنشر أخبار مضللة حول الوجود الروسي بالمنطقة.
علاوة علي العقوبات الممنهجة ضد أفراد ومؤسسات روس، مثل فرض عقوبات ضد رجال أعمال وأشخاص مقربين من الكرملين، بحجة إرسال مقاتلين روس “فاغنر“، لدعم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
موسكو تُخفّض وجودها في سوريا
تُشير آخر التطورات، إلى نية موسكو تقليص وجودها ومسؤولياتها في سوريا، على الرغم من أن روسيا لم تعلن ذلك صراحة.
فالتطورات المتسارعة الأخيرة، تشير إلى أن خفضاً جزئياً للتواجد الروسي قد بدأ فعلاً، لاسيما وأن الحكومة السورية قد استعادت السيطرة على معظم أراضي البلاد.
وقد ظهر جلياً الانسحاب الروسي، بخفض جوهري للقوات قبل اكثر من عام، في أوساط الشرطة العسكرية الروسية في البلاد.
وما يحدث الآن، فإن روسيا ، وبحسب ما أكّدته المصادر من دمشق، سحبت أكثر من 3000 عنصر من مجموعة “فاغنر”، التي تعد من أهم الشركات العسكرية الخاصة، والتي تشكل قوة عسكرية روسية كبيرة.
لا مقاتلين روس في ليبيا
وأعلنت روسيا في وقت سابق، رفضها القاطع للاتهامات الموجهة إليها بشأن تواجد قوات روسية بمنطقة القتال في ليبيا، مؤكدةً أنه “لا يوجد في الوقت الحالي في تلك المنطقة أي جندي روسي”.
وأكّد الممثل الدائم لدولة روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، نفي بلاده القاطع لكافة الاتهامات بشأن التدخل الروسي في ليبيا.
وقال نيبينزيا: “أكدنا مراراً وتكراراً أنه لا يوجد جندي روسي واحد حالياً في منطقة القتال في ليبيا، ولم ترد أنباء عن مشاركتهم في اشتباكات مسلحة أو وفاتهم”، مشيراً إلى أن وراء تلك الاتهامات “رغبة واضحة في تحويل الانتباه عن الدور المدمر في ليبيا لمن هم أكثر صخبًا اليوم في التشدق بمصير الليبيين العاديين”.
واعرب الدبلوماسي الروسي، عن دهشة روسيا من الذين يروجون لتلك الاتهامات أي ما يسمى بـ “التورط الروسي” في ليبيا، مؤكداً “أن مثل هذا السلوك لن يضلل الليبيين وجيرانهم الذين يدركون جيدًا من دفع المنطقة في الواقع إلى الفوضى”.
روسيا تُجبَر على مغادرة الشرق الأوسط
رغم أن روسيا دولة عظمى، لكن الاقتصاد الروسي، لا يقوى على الصمود مع العقوبات التي تتعرض لها موسكو، من قبل الولايات المتحدة.
فكشفت مصدر “مطلع”، عن نية روسيا فعلاً مغادرة الشرق الأوسط ، لاسيما منطقة شمال افريقيا والسودان تحديداً.
وأكّد المصدر على أن العديد من الشركات الخاصة الروسية أغلقت مكاتبها هناك، ولم تعد تريد البقاء في المنطقة.
وأفاد مصدر موثوق ، من شركة تعدين الذهب الروسية “مرو غولد”، أن “الشركة قّلصت حتى الآن عملياتها في السودان”.
وتابع: أن القيادة الروسية تدرس بجدية إمكانية تقليص جهاز المستشارين العسكريين في السودان، وفي عدد من دول الشرق الأوسط الأخرى.
وأشار المصدر، إلى أنه يجري في الوقت الراهن إلغاء برامج التعاون العسكري بين روسيا ودول عديدة في الشرق الأوسط .
في الوقت نفسه سرّبت مصادر أخرى مطلعة، أن روسيا ألغت اتفاقات عسكرية مع ليبيا والسودان كانت قد عقدتهما معهما.
دور أميركا والإمارات في العلاقات السودانية الإسرائيلية
مارست الولايات المتحدة الأمريكة، ابتزازات وضغوطات هائلة على السودان، لرفع اسمه من قائمة العقوبات الأمريكية.
فوجد السودان نفسه عرضة للضغوط الأمريكية التي على ما يبدو هي جائزة إزالة اسمه من لائحة الإرهاب كثمن مقابل التطبيع مع إسرائيل إضافة إلى تعهد الخرطوم بدفع التعويضات لعائلات ضحايا الإرهاب.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن دولة الإمارات العربية المتحدة، برؤيتها الراديكالية للإسلام، تبذل جهودًا حثيثة من أجل إقناع السودان ليلتحق بركب الدول العربية المطبعة مع إسرائيل.
الدور الإماراتي في الخرطوم
وتدعم الإمارات في السودان محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي، قائد “قوات الدعم السريع” السودانية، وتربطهما علاقات واتفاقات تحالف.
ويتعدى التحالف فيما بينهم، تجنيد المقاتلين إلى “تجنيد” الموارد (موارد السودان الثمينة) “الذهب والنحاس ومؤخراً اليورانيوم، ويسيطر “الدعم السريع” بشكل شبه كامل على قطاع المعادن الذي يدر أموالاً هائلة، يذهب القليل منها إلى خزينة الدولة فيما يُهرّب الجزء الأكبر إلى الخارج”، بحسب السفير العربي.
وتنظر الإمارات إلى الجيش السوداني، أنه مجرد تنظيم إخواني بواجهة وطنية، وهي “قوات الدعم السريع” التي تراها جماعة مناسبة لنشر الإسلام وفق الرؤية التي تحب أن تنشرها عن الدين الإسلامي. لكن هذا الاعتقاد ليس السبب الرئيس في دعم ميليشيا قبلية وفي محاولة إحلالها محل الجيش. فملف التجنيد المستمر للمقاتلين له أهمية كبيرة للإمارات التي توسعت عسكرياً في اليمن وفي ليبيا.
روسيا دورها محدود في السودان
وتستعرض روسيا قدرتها على تطوير المصالح الاقتصادية مع الشركاء الأفارقة، إلّا أنّ تأثيرها الاقتصادي كقوة متوسطة بالمقارنة مع أميركا والصين سيكون محدوداً.
كما يحدُّ فرض عقوبات غربية على روسيا من حجم استثماراتها وعوائدها، لاسيما وأنّ القارة الأفريقية خرجت لتوِّها من تجربة الصين التي استفادت من استيراد الموارد الطبيعية مقابل تصدير السلع المصنَّعة، بحسب صحيفة الإندبندنت عربية.
وتضيف الصحيفة، أنه في حال “تحقَّق بناء القواعد العسكرية الروسية في أفريقيا، فإنَّها ستظل أقل بكثير من الوجود العسكري الأميركي في القارة، الذي يتضمّن ما لا يقل عن 34 قاعدة عسكرية، إضافةً إلى القواعد العسكرية الصينية ودول أخرى”.
وعلى الرغم من توجّه واشنطن نحو الشرق الأوسط ، إلّا أنّ وجودها العسكري في أفريقيا سيؤثِّر قطعاً في حجم النفوذ الروسي.
وسط الضغوطات الكبيرة التي تواجهها روسيا في المنطقة، من الولايات المتحدة والدول العربية والإقليمية، يبقى السؤال مفتوحاً، هل ستقبل موسكو بالاعتراف بالهزيمة؟ وهل سيكون أفضل للشعب السودلني ودول الشرق الأوسط أم لا؟
بلا شك أن الأيام المقبلة كفيلة بكشف خبايا الدور الروسي وما هو السيناريو المتوقع أن يحدث في المنطقة، التي تكاد أن تنفجر.
