نساء بيروت الناجيات يتجهن للعلاج النفسي لمحو ذكرى الكابوس
عدد ليس باللقيل من نساء العاصمة اللبنانية بيروت اتجهن صوب عيادات التأهيل النفسي بعد نجاتهن بإعجوبة من الانفجار الهائل الذي هز أركان المدينة وأحال أكثر من نصفها إلى ركام، وسط آلاف المصابين ومئات الضحايا.
حيث تتذكر سارة الرفاعي تفاصيل ما حدث معها بألم كبير، حينما تقول: “كنت جالسة مع ابني وحدنا في المنزل ننتظر مجيء زوجي، فدوى الانفجار المرعب ودمر أجزاء من البيت والنوافذ والزجاج تحطم تماما، وشعرت بأني قفزت من مكاني وأنا أحتضن ابني وأخبئ رأسه في صدري خشية أن يصاب، وهو تجمد لثوان ولم يقو على التحرك صارخا ماما ماما..”.
تلك الحادثة تعد واحدة فقط من ضمن آلاف الحكاوي التي تحتفظ بها ذاكرة غالبية نساء بيروت في ذلك اليوم المشؤوم.
الآثار النفسية
وبحسب موقع (الجزيرة نت) تشرح سارة الرفاعي أنها لم تستوعب للحظات ما حصل، “نعم، نجينا بأعجوبة والحمد لله، زوجي أصيب برضوض بسيطة فقط، لكننا لم نعد على حالنا كما الأول، الصدمة كانت أكبر مما تخيلنا”.
الآثار النفسية التي بقيت كانت أقوى منها، فما زالت تشعر بتشنج وأرق وخوف ينتابها كلما سمعت صوتا قويا، كما أنها تنهار بالبكاء عندما تكون في غرفتها حتى لا يشاهدها ابنها على هذه الحال، وتسعى أيضا إلى تهدئته لإبعاد لحظات الرعب التي عاشها، “إنها لحظات لا توصف، نعم، أشكر الله أننا لم نتضرر جسديا ولم نفقد بعضنا”، تقول سارة.
وتلفت سارة “واجهنا الكثير من الأزمات ولكننا تعبنا، خسائر الأرواح لا تعوض، نطلب من الله الرحمة لها والسلوان لأهلها، وخسائر أخرى اقتصرت على الماديات ولكنها أخذت ثمرة تعب العمر وجناه، علينا أن ندعو الله لأجل المتألمين والمفجوعين والمصابين على أمل أن يشفى لبنان وتنتصر الحياة”.
لحظات مرعبة جدا لن تنسى
إحدى نساء بيروت كاتيا الفوعاني، التي لا تزال بحالة صدمة ولا تعلم ما حصل معها بالتحديد، وتحاول تذكر ما حدث لها في تلك اللحظة فتقول: “شعرت وكأنني في كابوس، استيقظت من الغيبوبة بعد نحو ساعة في المستشفى حيث تمت خياطة جرح في جبيني، كان الدم يغطي جسدي والرضوض واضحة، وفهمت أن وجهي ارتطم بالدرابزين وفقدت الوعي، وقام بمساعدتي أحد الموجودين بالمبنى”.
عندما عادت كاتيا لبيتها وجدت كل ما حولها محطما، فهي من سكان الأشرفية، وتعيش بمفردها بالقرب من عملها في مهنة التسويق والإعلانات، وتقول عن شعورها حاليا “لا يمكن وصفه فما زلت بحالة ارتباك وقلق وهلع، ما زلت تحت تأثير الصدمة غير مدركة ما حدث لي إن كان كابوسا أم حقيقة؟”.
الآثار النفسية تستمر
من الطبيعي بعد حدث صادم مثل انفجار بيروت أن يشعر الفرد بعوارض نفسية مزعجة، منها مزاج سيئ، واضطراب الأكل والنوم، وأوجاع جسدية، وكذلك شعور بالجمود، والتشنج، والحزن، والقلق، والأرق، فضلا عن الغضب وسرعة الانفعال، والخوف من تكرار الحادثة وغيرها من العوارض، كما تشرح ريان البدوي النجار اختصاصية الصحة النفسية.
وتلفت إلى “استعادة ذكريات الحادث المؤلمة، وربما إحساس الشخص بالخجل الزائد بسبب البقاء على قيد الحياة أو الذنب لعدم قدرته على إنقاذ الغير أو عدم إشغال الشخص المفقود بحديث ما قبل خروجه من المنزل وبالتالي حمايته من الانفجار”.
عوارض مختلفة
بعد صدمة انفجار بيروت من الطبيعي أن تشعر المرأة بهذه العوارض. وبعضها تكون بمثابة آلية دفاعية للبقاء على قيد الحياة وللاستمرارية والقيام بالواجبات اليومية كالاهتمام بالأطفال واحتياجاتهم.
وتشير الاختصاصية ريان إلى أن كل امرأة تختبر عوارض مختلفة عن الأخرى، فهناك من قد تشعر بخوف، وتوتر، واضطراب النوم، وكذلك كوابيس، وخوف عند سماع أي صوت. وأخريات يختبرن عوارض مختلفة كاسترجاع صور الانفجار، وصوت الانفجار، وعدم الرغبة بالكلام، والخوف من خسارة أحد أفراد العائلة فتمنعهم من الخروج خوفا عليهم أو تتفقدهم باستمرار.
كيفية تجاوز الصدمة
وتؤكد الاختصاصية ريان أنه من المهم جدا “إخبار المرأة أن ما تشعر به أمر طبيعي جدا في هذه المرحلة، واحترام رغبتها في عدم الكلام أو الإصغاء لنا، مع أهمية الإصغاء لها إذا أرادت الكلام والتحدث عن المشاعر التي تمر بها، أو إعادة ذكر تفاصيل الحادثة وكيف اختبرتها والأفكار التي راودتها خلالها، والتي تراودها الآن”.
وتنصح ريان النساء بمحاولة تناول الطعام والنوم قدر الإمكان، وتجنب تناول الأدوية المهدئة، لأن ذلك قد يؤخر القدرة على التعافي، وإذا كان لا بد من ذلك يجب استشارة الطبيب النفسي.